يهتم تحليل الخطاب بعمله في التحويل الإبداعي للأيديولوجيات والممارسات، وكذلك عمله في ضمان إعادة إنتاجها (انظر بيشوه، واللغويات النقدية). (8)
تحلل النصوص من حيث التنوع الشديد في معالمها شكلا ومعنى (مثل خصائص الحوار، وبناء النص والمفردات والنحو أيضا) فيما يتعلق بالوظيفة الفكرية للغة ووظيفتها في العلاقات ما بين الأشخاص (انظر بوتر ووذريل، وبيشوه).
والذي أتصوره أن تحليل الخطاب يركز على التنوع والتغيير والصراع؛ فالتنوع في الممارسات وتنوع العناصر داخلها يعني أنها انعكاس معاصر لعمليات التغير التاريخي التي شكلها الصراع بين القوى الاجتماعية. وعلى الرغم من أن البنود 4 و5 و6 حظيت ببعض الدعم، خصوصا في إطار المداخل النقدية لتحليل الخطاب التي ناقشتها عاليه، فإن علينا أن نستعين بالنظرية الاجتماعية حتى نجد صورها الكاملة الناضجة الصريحة. ويقدم فوكوه نظرات ثاقبة قيمة فيها جميعا، كما سوف أقيم الحجة على ذلك في الفصل الثاني. ومع ذلك، فلا التقاليد النقدية في تحليل الخطاب ذي التوجه اللغوي، ولا فوكوه، يعالج البند السابع معالجة مرضية، ألا وهو الأسلوب الذي يسهم به الخطاب في إعادة إنتاج المجتمعات وفي تغييرها. وثنائية الخطاب المشار إليها تتمتع بأهمية أساسية في الإطار الذي أقدمه في الفصل الثالث، وتجاهلها في كتابات فوكوه ترتبط بضعف نظري ومنهجي كبير في عمله.
الفصل الثاني
ميشيل فوكوه وتحليل الخطاب
ألم تنجح ممارسة الخطاب الثوري والخطاب العلمي على امتداد المائتي عام الأخيرة في تحريرك من الفكرة التي تقول إن الألفاظ ريح، همس خارجي، رفرفة أجنحة يصعب على المرء سماعها في قضية التاريخ الخطيرة؟
ميشيل فوكوه، علم آثار المعرفة
كان لفوكوه تأثير هائل في العلوم الاجتماعية والإنسانيات، ومن الممكن أن يعزى شيوع مفهوم «الخطاب» وتحليل الخطاب باعتباره منهجا، في جانب منه، إلى هذا التأثير، ومن المهم أن نفحص عمله ببعض التفصيل لسببين؛ الأول أن علماء الاجتماع يشيرون على نطاق واسع إلى مدخل فوكوه إلى تحليل الخطاب باعتباره نموذجا، ولما كنت أدعو إلى مدخل مختلف لتحليل الخطاب في دراسات التغير الاجتماعي والثقافي، فلا بد من إيضاح العلاقة بين المدخلين. فالتضاد كبير هنا بين تحليل الخطاب ذي التوجه النصي (ومن ثم التوجه اللغوي) (وقد أشير إليه فيما يلي باسم «التحليل النصي» فقط) وهو مدخلي الخاص، وبين مدخل فوكوه التجريدي. كما إنني أحتاج إلى تقديم الأسباب التي تبرر ضرورة نظر علماء الاجتماع في استخدام «التحليل النصي»، وسوف أسوق الحجة في آخر الفصل على أنه يمكن أن يؤدي إلى تحليلات اجتماعية أفضل.
وأما السبب الثاني لتخصيص فصل عن فوكوه، فقد سبقت لي الإشارة إليه، ألا وهو أن بناء مدخل للتحليل الخطابي، سليم من الناحية النظرية ويمكن تطبيقه عمليا، يتطلب تركيبا يجمع بين تحليل الخطاب ذي التوجه اللغوي وبين النظرات الثاقبة التي أتت بها النظرية الاجتماعية الحديثة في اللغة والخطاب. وعمل فوكوه يسهم إسهاما مهما في بناء نظرية اجتماعية للخطاب في مجالات معينة مثل العلاقة بين الخطاب والسلطة، والبناء الخطابي للذوات الاجتماعية والمعرفة، والعمل الذي يؤديه الخطاب في التغيير الاجتماعي، وعلى نحو ما بينت في آخر الفصل الأول، نرى أن المداخل ذات التوجه اللغوي ضعيفة وغير ناضجة في هذه المجالات.
ومع ذلك، فلما كان مدخل فوكوه إلى الخطاب، والسياق الفكري الذي نشأ وتطور فيه، يختلفان اختلافا شاسعا عما يقابلهما في حالتي، فلا يستطيع المرء أن «يطبق» عمل فوكوه في تحليل الخطاب، فهذا يعنى، كما يقول كورتين، دعوة «منظور فوكوه إلى العمل» (1981م، 40) في إطار «التحليل النصي» ومحاولة تطبيق نظراته الثاقبة في مناهج التحليل الفعلية. كانت المكانة البارزة التي حظي بها الخطاب في أعمال فوكوه المبكرة نتيجة للمواقع التي اتخذها إزاء إجراء البحوث في العلوم الإنسانية، إذ اختار التركيز على ممارسات خطابية في محاولة لتجاوز الطريقين البديلين الكبيرين للبحث، واللذين كانا متاحين آنذاك للباحثين الاجتماعيين، وهما البنيوية والتفسيرية (الهرمانيوطيقا) (دريفوس ورابينوف 1982م، 13-23). أي إن فوكوه مهتم بالممارسات الخطابية باعتبارها تشكل المعرفة، وبشروط تحويل المعرفة المرتبطة بتشكيل خطابي معين إلى علم.
অজানা পৃষ্ঠা