خطابان حملهما إلي البريد: أما أحدهما فقد أورثني الأسى والأسف والشعور بالذنب، فقد أحسست أننا نحن الذين نكتب بقسوة عن جهل الشباب وعدم معرفتهم بلغتهم، قوم نبتسر الأحكام ونتعجل الاتهام دون تقص للأسباب التي تعجز الشباب، وتقف عقبة دون بلوغهم إلى مناهل أدبهم ومصادره وموارده!
الخطاب من طالب في إسنا، ويمتاز الخطاب بأسلوب سلس، قريب المأخذ، يدل على أن صاحبه يستطيع أن يكتب ما بنفسه، وفي الخطاب بطبيعة الحال نصيب لا يستهان به من الأخطاء النحوية، بل والإملائية أيضا، ولكن الخطاب يحمل الاعتذار عن الأخطاء، وهو اعتذار قاطع لا تملك أمامه حيلة ولا تطيق له دفعا.
إنه يقول إنه مبعد تماما عن الوسائل التي يستطيع بها أن يحصل على كتاب، فالكتب مرتفعة الثمن ولا يستطيع أن يشتريها، ولا مكتبات هناك، لا في المدرسة ولا في البلد جميعا، ويتردد الطالب كثيرا قبل أن يقول إنه لم يقرأ في حياته إلا كتابا واحدا وجده عند صديق له، وحين أراد أن يعيد قراءته وجد زميله قد أعاره لآخر وتاه الكتاب في خضم الحاجة إلى الثقافة التي تغمر الشباب هناك.
أي شيطان جاهل قال للمشرفين على الشباب عندنا أنهم مسئولون عن الكرة والألعاب، وليسوا مسئولين عن الكتاب والثقافة؟ وأي شيطان جاهل قال لنظار المدارس أن عمل المدارس هو تعليم الطلبة المناهج فقط، إن الدولة لا تشتري من الكتب التي تصدر شيئا ... وإنما يفرض على الناشر أن يقدم خمس نسخ للمكتبة العامة ... فلماذا لا يفرض على المدارس أن تشتري نسختين من الكتب الهامة التي تصدر؟ وكيف يجوز أن نترك الشباب يضرب في هذا الليل من الحاجة إلى الكتب وعدم القدرة على شرائها؟
أما الخطاب الآخر فهو من طالب في الطب، وقد أرسله إلي كمشرف على الصفحة الأدبية، الخطاب نقيض للخطاب الأول ... فلقد فوجئت بنثر رفيع يقدم به لقصيدة رائعة من الشعر الأصيل ... وصاحب الخطاب اسمه ياسر الوزير ... بطب عين شمس ... لعل الأستاذ ياسر أو الدكتور ياسر قادر على أن يشتري الكتب، أو لعل وجوده بالقاهرة قد يسر له الحصول على ما يشتهي من الثقافة، أو لعل - وهذا هو الأقرب - إصراره على أن يتثقف هو الذي جعله يبلغ من الثقافة هذا القدر الذي أهنئه عليه، وإني أعده أن أنشر القصيدة، وإن كنت حرصت أن أشير إليها وإليه الآن، فما ذلك إلا عن حرص مني ألا يظن أن كتابه قد لقي ما لا يستحق من التقدير.
وخطاب ثالث إلى الأستاذ توفيق الحكيم
بكرت في الصباح إلى بترو، حيث أجتمع بأستاذنا توفيق الحكيم، والأستاذ الجليل إبراهيم فرج، والأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي، ورئيس النيابة سعيد العشماوي، وأستاذنا نجيب محفوظ حين يكون بالإسكندرية ...
ولكنني اليوم وجدت أستاذنا توفيق الحكيم وحده، وقبل أن أقول صباح الخير بادرني هو بقوله: الناس أصابها الجنون ولا شك (ومصمص بشفتيه على عادته).
قلت جازعا: خيرا ... ماذا حصل؟ - خذ يا سيدي ...
وأعطاني خطابا وقرأت: «باسم جمعية ... الخيرية بالشرقية أرسل هذه الرسالة إلى سيادتكم، ولنا أمل كبير في سيادتكم في التكرم بمد يد المساعدة إلى الجمعية والمساهمة بتبرع مالي من سيادتكم ...»
অজানা পৃষ্ঠা