أخذت بمدحه فرأيت لهوا
مقالي للأحيمق: يا حليم
ولما أن هجوت رأيت عيا
مقالي لابن آوى: يا لئيم
فهل من عاذر في ذا وفي ذا
فمدفوع إلى السقم السقيم؟
إذا أتت الإساءة من وضيع
ولم ألم المسيء فمن ألوم؟
فالتفت إليه الخزاعي في ألم وحسرة قائلا: هون عليك أبا الطيب، فإن نجاتك من الأسود حياة جديدة، ولا يزال في العمر مقتبل، ولا يزال لآمالك مسبح في هذا الكون المضطرب بالآمال، وإن مثلك من اتخذ من الإخفاق سلما، ومن الهبوط ذريعة إلى الصعود. والتجربة عقل ثان، وإن لك من شعرك ورصين خلقك وبعيد طموحك ما يغزو لك الدنيا ويذل الأمراء. انظر أبا الطيب، إنك لم تفقد شيئا بل لقد ربحت كثيرا، نزلت على كافور فتغفلته واستوليت على كثير من ماله، ثم فررت منه كما يفر الماء من خلال الأصابع، ثم أرسلت هجاءه في الآفاق تتناوح به الرياح، وتسير به الركبان، ويتغنى به الصبيان، ويتنادر به السمار، وسيبقى على الزمن أضحوكة الزمن، وأقسم غير حانث إن هجاءك لأشد على الأسود من وقع السهام في غبش الظلام، وإنه ليود بجدع الأنف لو تخلى عن بعض ملكه ولم يفوق إليه شعرك المسموم قافية. لم تندب يا أبا الطيب؟ لقد ألقيت على أمراء هذا الزمان بهجائك كافورا درسا لن ينسوه، فإذا خسرت اليوم أميرا فلقد كسبت أمراء، إنهم يعطون إذا رغبوا، ولكنهم إذا رهبوا أعطوا أكثر وأكثر، وهم يحبون المديح ويثيبون عليه، ولكنهم يبغضون الهجاء ويثيبون على دفعه عنهم أضعافا وأضعافا، وقد عرف ذلك قبلك اللئيم بشار فكان يقول: إن الهجاء أجلب للمال وأرفع لقدر الشاعر من المديح. اذهب الآن أبا الطيب حيث شئت تجد كل أمير يسارع إلى لقائك، ويحتفل بمقدمك، ويقبل الأرض بين يديك، ويفتح لك خزائن ملكه. وأكبر الظن أن سيف الدولة ينتفض منك الآن فرقا، ومعز الدولة ببغداد يتحرق لقدومك عليه شوقا، وعضد الدولة بفارس يود لو يحملك إليه السحاب، أفق أبا الطيب ما هذا الحزن؟ وما هذا الوجود؟ إن من يراك يظن أنك فقدت عرشا أو سلبت سلطانا، إنك تملك الكون كله بشعرك، إن الأرض كلها لك مغدى ومراح، وإن من كانت له عبقريتك وعزيمتك يجب أن يسمو فوق الأشخاص ويرتفع فوق الشهوات، ويطل على الناس من سماء مجده كوكبا منيرا. - هذا كلام أشبه بالشعر يا ابن يوسف لا يثبت على النظر، ولا يقوى على البحث، فلقد فقدت بقدومي على العبد كل شيء: فقدت شبابي، وفقدت آمالي، وفقدت كرامتي، ودنست اسمي بين الشعراء. إنني نشأت في أول أمري شاعرا أقرض الشعر فيمن يستحق ومن لا يستحق، وكانت جوائزي لا تتجاوز بضعة دراهم، فلما منحت مرة دينارا على قصيدة من خير ما تنفس به الشعر العربي، توهمت أني لمست السماء، وقطفت عنقود الجوزاء. وكم لاقيت عسرا، وكم لاقيت عنتا، وكم قاسيت مسغبة وفقرا، وكم أطرقت للذل، وشربت المر، وبليت بقوم هم شر على الحر من سقم على بدن، ولكني كنت أزجر النفس إذا سئمت، وأروضها إذا نفرت، وأتواضع لجبروت من أمدحهم، وأصدق أكاذيبهم، وأضحك لنوادرهم الغثة الباردة، وحينما بلغت بدر بن عمار توهمت أني بلغت القمة، واقتعدت سنام الشرف. - بدر بن عمار الذي تقول فيه؟
لو كان علمك بالإله مقسما
অজানা পৃষ্ঠা