هذا أفق لم يحلق فيه شاعر، وأوج لم يصدح بجوه طائر. - لا تثر أشجاني بالله عليك يا ابن يوسف، ودع جرح قلبي يندمل. فإن الذكرى تزيده ألما ونغلا. أين أنا من سيف الدولة الآن ومن أيامه النضرات، ولياليه المشرقات؟ تركت هذا الملك الحر الكريم المجاهد يا ابن يوسف، ثم قصدت من؟ قصدت كافورا الزنجي الخبيث النتن الكذاب الماكر المحتال، فجزاني الله على كفري بالنعمة، وألقى بي في عذاب الجحيم بعد أن بطرت على الجنة، ولقد كان أبو الحسن بن سعيد صادقا أيضا حين كان يجذبني من كمي، ويقول: «احذر يا أبا الطيب. فإنه قد يجول بخاطرك أن تذهب إلى مصر، وإني أربأ بك أن تفعل هذا، وأن تجعل من نفسك عبدا للعبد الأسود، ويا لضيعة الشعر. ويا لضيعة الأدب. إذا انحدرا إلى هذه الهاوية». ولكني لم أطعه، وساقني الغرور إلى مصر، وعقدت الآمال بالكذاب الفاجر، وها أنذا أفر اليوم منه كما يفر الطائر من الفخ مهيض الجناح ممزق الأوصال. كأن حياتي أصبحت كلها فرارا، وكأنه كتب على ألا ألقى ملكا إلا فارا من ملك، وألا أودع ممدوحا إلى بمثل ما قلت في كافور. - تقصد «الدالية»؟ إنها قصيدة خالدة على الدهر، ولكن دعك من كافور الآن ووجه همك إلى ما سيكون من أمرك، وما ستتفتح به لك الأيام. - لن أترك كافورا، ولن أكفكف عنه سهام شعري، وستشرق عليه شمس كل صباح بصاعقة جديدة تهز أعواد عرشه. ولعلك لا تصدق يا ابن يوسف أني كنت أقول فيه شعرا حينما كنت تحاور فراجا حارس الباب. - عجيب أمرك يا أبا الطيب، وويل لمن يبتلى بلسانك المر. - كنت أقول:
أريك الرضا لو أخفت النفس خافيا
وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
أمينا وإخلافا وغدرا وخسة
وجبنا، أشخصا لحت لي أم مخازيا؟
تظن ابتساماتي رجاء وغبطة
وما أنا إلا ضاحك من رجائيا
وتعجبني رجلاك في النعل، إنني
رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا
ولولا فضول الناس جئتك مادحا
অজানা পৃষ্ঠা