يحكى بها، وإنما يحكى بعد القول ما كان كلامًا لا قولًا". ففرق بين الكلام والقول كما ترى. نعم وأخرج الكلام هنا مخرج ما قد استقر في النفوس، وزالت عنه عوارض الشكوك. ثم قال في التمثيل: "نحو قلت زيد منطلق، ألا ترى أنه يحسن أن تقول: زيد منطلق" فتمثيله بهذا يعلم منه أن الكلام عنده ما كان من الألفاظ قائمًا برأسه مستقلًا معناه وأن القول عنده بخلاف ذلك إذ لو كانت حال القول عنده حال الكلام لما قدم الفصل بينهما ولما أراك فيه أن الكلام هو الجمل المستقلة بأنفسها الغانية عن غيرها وأن القول لا يستحق هذه الصفة من حيث كانت الكلمة الواحدة قولًا وإن لم تكن كلامًا ومن حيث كان الاعتقاد والرأي قولًا وإن لم يكن كلامًا. فعلى هذا يكون قولنا قام زيد كلامًا فإن قلت شارطًا: إن قام زيد، فزدت عليه "إن " رجع بالزيادة إلى النقصان فصار قولًا لا كلامًا ألا تراه ناقصًا ومنتظرًا للتمام بجواب الشرط. وكذلك لو قلت في حكاية القسم: حلفت بالله أي كان قسمي هذا لكان كلامًا لكونه مستقلًا ولو أردت به صريح القسم لكان قولًا من حيث كان ناقصًا لاحتياجه إلى جوابه. فهذا ونحوه من البيان ما تراه.
فأما تجوزهم في تسميتهم الاعتقادات والآراء قولًا؛ فلأن الاعتقاد يخفى، فلا يعرف إلا بالقول، أو بما يقوم مقام القول: من شاهد الحال فلما كانت لا تظهر إلا بالقول سميت قولًا إذ كانت سببًا له، وكان القول دليلًا عليها كما يسمى الشيء باسم غيره إذا كان ملابسًا له. ومثله في الملابسة قول الله سبحانه: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ ومعناه -والله أعلم- أسباب الموت؛
1 / 20