জ্ঞানের মানচিত্র
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
জনগুলি
كان نظام بطليموس للكون رائعا من نواح كثيرة ولم يستعض عنه بغيره على مدى 1500 سنة، لكنه كان مليئا بالتناقضات والعيوب. وأصبح كثير من أخطاء الرصد أكثر وضوحا حينذاك؛ أي بعد مرور 700 سنة. فشرع علماء الفلك في بغداد، ومن بينهم الخوارزمي والكندي، في العمل على تصحيح وتحسين المعطيات في كتاب «المجسطي»، عن طريق إجراء عمليات رصد خاصة بهم، وهو شيء كان بمقدورهم فعله بطريقة أكثر فعالية بكثير في المرصد الأول في العالم الإسلامي، الذي كان المأمون قد بناه في حي الشماسية في المدينة. كان التقدم المحرز في كل من أجهزتهم وأساليبهم يعني أن معطياتهم كانت أكثر دقة من معطيات بطليموس؛ مما مكنهم من إدخال تحسينات كبيرة على نماذجهم.
بنى المأمون مرصدا آخر خارج دمشق، حتى يكون بالإمكان مقارنة معطيات كلا المكانين لتحقيق دقة أكبر. صمم فريق علماء الفلك الخاص به أسطرلابات معقدة وأنشأها، إلى جانب أجهزة متخصصة أخرى شملت أسطرلابات ربعية وساعات شمسية كان بإمكانها قياس ارتفاع الشمس عن طريق طول ظلها.
17
باستخدام هذه الأجهزة، صححوا كتاب «المجسطي» وتوسعوا فيه، مصدرين نسخا محسنة من «جداول بطليموس السهلة» أو «الزيج»، حسبما هي معروفة في اللغة العربية. احتوت هذه الكتيبات الإرشادية الصغيرة على كثير من جداول النجوم التي كانت متناثرة في كتاب «المجسطي »؛ مما جعلها متاحة وأكثر نفعا. أحدثت جداول «الزيج» ثورة في علم الفلك والتنجيم؛ إذ عمل الباحثون على مواءمة المعطيات التي احتوت عليها مع مواقعهم ثم استخدموها لحساب مواقع النجوم والكواكب بدقة أكبر بكثير عن ذي قبل. كانت كتبا عملية للغاية؛ لذا انتشرت انتشارا واسعا عبر أنحاء شمال أفريقيا، وإسبانيا وصقلية وبقية أوروبا، فكانت أدوات أساسية في التنبؤ بحركات النجوم والكواكب.
هذه اللمحة عن العلم العربي في العصور الوسطى توضح الترابطات الدقيقة المعقدة بين الفلك والتنجيم والفلسفة والرياضيات والجغرافيا. لقد كان هؤلاء الباحثون البغداديون، بما امتازوا به من مجموعة واسعة من الاهتمامات والخبرات، يمثلون رجال عصر النهضة الذين استبقوا عصر النهضة بقرون عديدة. فيكشف غزو المأمون للصحراء عن الدقة والاهتمام اللذين أولاهما علماؤه لعملهم. إن أساليبهم المتمثلة في رصد وقياس الظواهر الطبيعية، وفحص ومقارنة المعطيات بدقة، ثم استحداث واختبار فرضيات، يمكن أن تكون مألوفة للعلماء المعاصرين. وقد حددت هذه المبادئ، بالإضافة إلى ابتكارات الرازي في الممارسة الطبية، معالم حقبة جديدة في الدراسة الأكاديمية. كذلك تشكل هذه المبادئ، التي تنوقلت عبر القرون، أساسا لما يعرف الآن باسم «المنهج العلمي».
استمر قبس البحث العلمي يتوهج متألقا في بغداد حتى القرن الحادي عشر، لكن قبضة العباسيين على السلطة كانت في كثير من الأحيان ضعيفة، وانزلقت المدينة في فترات طويلة من العنف والاضطراب. وأخيرا دمرت في عام 1258 على يد جيش مغولي، كان يقوده هولاكو (1218-1265)، الحفيد المخيف لجنكيز خان، الذي أمر باستهانة بأن يلف المعتصم، آخر الخلفاء العباسيين، في واحدة من سجاجيده المزخرفة وأن يداس بأرجل الخيول حتى الموت. دارت الدائرة على الخلافة العباسية وذاقت من كأس الوحشية التي بدأت بها. ولكن حتى في وسط الدمار، نجت خيوط من المعرفة. فقد أمر هولاكو، الذي كان «شغوفا بالخيمياء والتنجيم» على ما يبدو،
22
بنهب مكتبات بغداد وأخذ علماؤه الكتب التي كانت موضع اهتمامهم إلى هضبة مراغة، في شمال غرب إيران. ودمرت بقية الكتب عندما أحرق جيشه المدينة. واصل علماء الفلك، وخاصة نصير الدين الطوسي (1201-1274)، الكندي والخوارزمي العمل في مرصد مراغة، حيث بنوا أجهزة مكنتهم من القيام بعمليات رصد متزايدة الدقة. وأتاحت المعطيات الناتجة إمكانية الاعتراض على نماذج بطليموس وتعديلها بإدخال التذبذب إلى حركة الكواكب، ضمن جملة أمور أخرى.
انتهى العصر الذهبي البغدادي، لكن شهرة باحثيه كانت قد انتشرت خارجها كتموجات على سطح الماء. في أوجها، ألهمت الخلافة العباسية ورجال بلاطها الحكام في أنحاء فارس وآسيا الوسطى وشمال أفريقيا وإسبانيا وشبه الجزيرة العربية أن يملئوا مدنهم بالباحثين وأن يعلموا أطفالهم وأن يدفعوا المال من أجل الكتب وأن يبنوا المكتبات. وحدثت مضاهاة مع طراز رعاية البحث العلمي في القاهرة والموصل والبصرة ودمشق والكوفة وحلب وطرابلس وبخارى وشيراز، حيث نشأت وازدهرت مكتبات عظيمة. وبرزت على الساحة أجيال جديدة من الباحثين، من بينهم ابن سينا والبيروني والطوسي وابن الهيثم الذين قدموا إسهاماتهم الفريدة في العلم وأضفوا تألقا فكريا على مدن مثل غزنة ومرو والقاهرة.
بيد أن ألمع نجم بين الجميع كان يتألق بعيدا في الغرب، في إسبانيا. كانت الأسرة الأموية، التي كاد العباسيون أن يبيدوها تماما، ماضية في بناء صرح باهر في جنوب إسبانيا لتنافس بغداد هارون والمأمون. كانت قرطبة على وشك أن تصبح المحور الجديد الذي سيدور في فلكه عالم البحث العلمي، وهي المحطة التالية في رحلتنا.
অজানা পৃষ্ঠা