জ্ঞানের মানচিত্র
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
জনগুলি
في القرون القليلة الأولى، كان العلم والإيمان متناغمين؛ فلم يكن السعي إلى الحقيقة الدينية يدفع البحث الفكري على مستوى فلسفي واسع فحسب، بل كان أيضا يتطلب إجابات لحاجات عملية محددة؛ كاستنباط الاتجاه الدقيق لمكة حتى يمكن وضع سجادات الصلاة بطريقة صحيحة، أو معرفة أوقات اليوم من أجل الصلوات. لم تكن المذاهب الدينية قد بدأت تتضح بعد كما لم تكن قد بنت بعد أسوار الاتجاهات المحافظة التي من شأنها أن تعوق العلم في القرون اللاحقة. في تلك اللحظة، كان التبجيل الإسلامي للكتاب يمتد إلى كل الكتب؛ كانت الكتب بمثابة «نبع الحياة الروحية الذي لا ينضب».
9
في أواخر القرن الثامن، وصل بغداد منتج جديد كان من شأنه أن يغير عالم الكتب إلى الأبد وهو الورق. في عام 751، كان العرب قد هزموا الصينيين في معركة طلاس، في قيرغيزستان الحالية، في أعماق سهوب وسط آسيا الشاسعة. نقل اثنان من أسرى الحرب، اللذان كانا قد أخذا إلى سمرقند، سر كيفية صنع الورق من القنب ومن نباتات ليفية أخرى. وبني أول مصنع ورق في العالم العربي في سمرقند، ومن هناك تنقلت الفكرة تدريجيا على طرق الحرير، حتى وصلت بغداد في عام 793.
وتقريبا في الوقت نفسه الذي وصل فيه الورق إلى بغداد، كان يوجد أيضا أوجه تقدم تكنولوجية في تصنيع الحبر والغراء، وفي تقنيات تجليد الكتب. هذه التطورات مجتمعة كفلت للكتب أن تصبح أكثر جمالا وكذلك أكثر تحملا. ازدهرت أيضا فنون الخط وزخرفة المخطوطات ورسم المنمنمات مع توظيف أعداد متزايدة من الناس لتلبية الطلبات المتزايدة لهذه التجارة. وكان أعظم هؤلاء هم الوراقين، أو «تجار الورق»، الذين أداروا محال بيع الكتب. في أواخر القرن التاسع، أحصى الباحث المدعو اليعقوبي أكثر من مائة منهم في ضاحية ربض وضاح في بغداد وحدها . كان لديهم السوق الخاصة بهم هناك، ووظف كثيرون منهم فرقا من النساخ لإنتاج الكتب التي كانوا يبيعونها، والتي كانت تعرض على مناضد ذات حوامل؛ فالتصفح كان مشجعا. كان كثير من الوراقين باحثين بحكم ما لديهم من معرفة وصارت متاجرهم أماكن يجتمع فيها أهل الفكر؛ فكانت بمنزلة أكاديميات غير رسمية وحلقا للنقاش العلمي. وانضم بعضهم إلى عملية البحث عن المخطوطات، مرتحلين في كل حدب وصوب لكشف كنوز الحضارات السابقة. ساعد الوراقون أيضا في تمكين الباحثين من كسب قوتهم من الكتابة، وبتطوير تجارة الكتب، نقلوا المعرفة من بغداد في كل أنحاء دار الإسلام، كما كان يطلق على محيط النفوذ الإسلامي. ولولاهم، لما صار الإنتاج الأدبي الهائل للعالم الناطق بالعربية - إذ كان يوجد أكثر من 5000 مؤلف مسلم يكتبون بحلول نهاية القرن الحادي عشر - ممكنا.
في غضون أربعين عاما من إنشائها، كانت بغداد حاضرة مزدهرة. جاء الناس إلى هناك من كل أنحاء دار الإسلام وما بعدها، يجتذبهم وعود المدينة بالتسامح والسلام. فازداد تعداد السكان زيادة هائلة ونمت المدينة نموا مطردا؛ مما أوجد مشكلات عملية تتعلق بالمرافق الصحية والمؤن الغذائية والضرائب. احتاجت الإمبراطورية لبنية تحتية؛ طرق وجسور وأنظمة وقنوات ري، والتي اعتمدت كلها على أوجه التقدم في التكنولوجيا والتصميم. حتى أبسط المشروعات الهندسية استلزمت حسابات رياضية. كانت المعرفة الطبية ضرورية للمساعدة في علاج الأمراض وإنقاذ الأرواح. وكان التنجيم جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وبخاصة في الطب، حيث كان يستخدم في التشخيص. كان علم الفلك ذا أهمية جوهرية للتنجيم ولأي نوع من البحوث الجغرافية والملاحة ورسم الخرائط (التي كان لها أهمية عسكرية جلية). ولم يكن من الممكن متابعة أي من هذه الأمور بدون الرياضيات؛ لغة القياس والحساب والدقة. كانت الدراسة الأكاديمية والمعرفة العملية متشابكتين، وكانتا تمدان الإنتاج الثقافي ومساعي البحث العلمي بما يحتاجان إليه من زخم.
مع تحول قالب اللغة العربية من مجموعة غير محددة المعالم من التراث الشفاهي إلى لغة مكتوبة رسمية في القرن الثامن الميلادي، بدأ برنامج ضخم من الترجمة من اللغة الفارسية أو البهلوية (الشكل المكتوب من اللغة الفارسية الوسطى). كان كثير من الموجة الأولى من الكتب المزمع ترجمتها إلى العربية عبارة عن أطروحات عملية عن الحكومة والإدارة والنظام الضريبي، ولكن قبل ذلك بوقت طويل تحول الاهتمام إلى المجموعة الفارسية الواسعة من الكتابات في التنجيم والفلك. لعبت النجوم دورا كبيرا في الزرادشتية، ديانة الدولة في فارس الساسانية؛ فعلى مر القرون، كان الباحثون قد أنشئوا مجموعة معقدة من الأعمال حول هذا الفرع من فروع المعرفة، تضمنت أفكارا من الهند واليونان ومصر وخيوطا امتدت عائدة إلى الحضارة البابلية التي ترجع إلى عام 1800ق.م.
كانت الكتب تنقل من وإلى بغداد وعبر أنحاء العالم العربي بسهولة نسبية. وكان مما ساعد في هذه العملية خدمة البريد الحكومية، التي كانت تعمل في سائر أنحاء الإمبراطورية، مع رسائل كانت تحمل بواسطة مجموعات من الجمال والبغال والخيل والحمام تعمل بالتناوب. كان معلقا على جدران المكتب الرئيسي في بغداد خرائط ضخمة يستخدمها المسافرون والحجاج في التخطيط لرحلاتهم. وكانت شبكة من خانات القوافل (الفنادق الصغيرة) ودور رعاية المرضى وخزانات مياه على جانب الطريق تخدم الحجاج والتجار والباعة المتجولين والجنود والرسل والوعاظ وغيرهم من المسافرين. أثناء الليالي الطويلة، كان الناس يتجمعون حول نيران مخيمات خانات القوافل ليأكلوا ويشربوا ويستريحوا، والأهم من ذلك، ليتحدثوا ويتبادلوا أطراف الحديث؛ مما جعلهم مراكز حيوية للمعلومات، وكأنهم صحف ومواقع تواصل زمنهم. تآزر المسافرون معا، منضمين إلى قوافل الجمال الطويلة التي كانت تنقل البضائع عبر الإمبراطورية؛ إذ كانت تلك القوافل هي أكثر الطرق أمانا لمواجهة أخطار عبور صحارى شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا وإيران. وكان من بينهم باحثون لديهم الاستعداد للسفر مئات الأميال، ومواجهة مخاطر العواصف الرملية والأمراض والسيول وقطاع الطرق والحيوانات البرية في بحثهم عن الكتب، مدفوعين بمخافة أن تضيع تلك الأفكار إلى الأبد. فسافروا شرقا عبر آسيا وشمالا إلى بلاد الأناضول في الإمبراطورية البيزنطية، حيث كانت اللغة اليونانية لا تزال اللغة الرئيسية. هنالك، أيضا، كانت توجد مدن قديمة تضم معابد قديمة وأديرة عامرة بالكتب.
في العقد السابع من القرن الثامن وأوائل العقد الثامن من القرن نفسه، هيأ المنصور وخالد بن برمك الظروف المثالية لازدهار العلم في بغداد . وعين يحيى، الابن الواسع الاطلاع لخالد، معلما خاصا لهارون الرشيد (حفيد المنصور) وكانت مصائر العائلتين، على الأقل حينذاك، مرتبطة معا برباط الحب والاحترام المتبادل. عندما صار هارون خليفة في عام 786، استدعى معلمه المحبوب، قائلا له: «أبي الصغير العزيز، أنت الذي وضعتني على هذا العرش، كان ذلك بعونك ومباركة السماء؛ نعم، بتأثيرك السار ونصحك الحكيم! والآن أمنحك سلطة مطلقة.»
10
أصدر يحيى تكليفا بأول ترجمة لأطروحة «العناصر»، وسرعان ما حذت كل صفوة بغداد حذوه المستنير، فضخوا المال في سبيل استرجاع النصوص القديمة. تزايد إنتاج الكتب تزايدا سريعا إذ كانت النصوص تتلى على غرفة مليئة بالنساخ حتى يمكن إعداد نسخ كثيرة في الوقت نفسه. وفي غضون جيل واحد، لم يكن أي قصر حقيقي يكتمل دون مكتبة تعج بالكتب، يعمل بها الباحثون والنساخ.
অজানা পৃষ্ঠা