জ্ঞানের মানচিত্র
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
জনগুলি
وكان أحيانا ما يبدي ازدراءه للمجتمع الإمبراطوري، وبخاصة سلوكه تجاه الدراسات العملية، شاكيا من:
مادية الأثرياء وذوي النفوذ ... الذين يؤثرون المتعة على الفضيلة، الذين لا يعبئون بأولئك الذين يحوزون معرفة دقيقة ما ويمكنهم أن يمنحوها الآخرين ... ولكن الاحترام الذي يمنحونه رجال العلم يتوافق فقط مع حاجتهم العملية إليهم. فهم لا يرون الجمال الخاص لكل دراسة ولا يطيقون المثقفين. وهم يحتاجون إلى الهندسة والحساب فقط في حساب النفقات وفي تحسين قصورهم، والفلك والكهانة فقط في التكهن بمن سوف يرثون ماله.
15
يسهم التقييم، الذي يحمل إدانة دامغة للحياة الفكرية الرومانية، في تفسير السبب وراء ضآلة تأثير الأفكار العلمية في أوروبا الغربية في أواخر العصور القديمة وما بعدها. فقد كانت ترجمة النصوص العلمية اليونانية إلى اللاتينية نادرة، وكانت على نحو شبه دائم تلخص وتوجز كجزء من الموسوعات. ترجمت بعض أعمال جالينوس إلى اللاتينية (فالرجل، في الواقع، أمضى فترات طويلة في روما)، ولكن الأعمال التي لم تترجم لم تعد تستعمل مع اختفاء اللغة اليونانية تدريجيا بعد انقسام الإمبراطورية في القرن الخامس الميلادي. وفي الشرق، بعدما أصبحت الأديرة المراكز الأساسية للمعرفة وإنتاج الكتب، سقطت نصوص جالينوس الفلسفية، التي لا تستسيغها العقول المسيحية، هي الأخرى في غياهب المجهول. أما أعماله الطبية، بأهميتها العملية المباشرة، فكانت هي الأوفر حظا في أن يعاد نسخها ومشاركتها. وكما سنرى في الفصل التالي، فإنها حفظت في بادئ الأمر بواسطة المجتمعات المسيحية في سوريا وفارس، قبل أن يكتشفها الباحثون العرب في القرن التاسع.
لم تكن شهية جالينوس الفكرية النهمة قاصرة على الطب. فقد غرس فيه تعليمه المبكر في بيرجامون شغفا بالفلسفة، وكان أحد أكبر إنجازاته إدماج الأفكار الأرسطية مع الفكر الطبي. وأدخل هذه السمة في أعمال متنوعة، وأبرز مثال على ذلك كتابه «أفضل طبيب هو أيضا فيلسوف»، وكذلك أطروحة «حول وظيفة الأعضاء»، التي تمثل بحثه الهائل في علم التشريح؛ فكلا العملين يربط بطريقة حاسمة الفلسفة بالطب. كان جالينوس مفتونا أيضا بعلم فقه اللغة؛ أي الدراسة التاريخية للغة وتأليف القواميس؛ وهما مجالا خبرة ضروريان لرجل جمع مكتبة ضخمة من المخطوطات التي ترجمها ونقحها بنفسه.
كان الكم الهائل من كتابات جالينوس مصدر إزعاج له عندما تعلق الأمر بالنقل. فقد كانت ببساطة كثيرة إلى درجة أنه لم يكن ممكنا أن تبقى جميعها. أدرك جالينوس هذا وكان رد فعله النموذجي أن أنتج المزيد من الأعمال، مفصلا أي أبحاثه كانت الأكثر أهمية والكيفية التي ينبغي قراءتها بها. حلت مدرسة الطب بالإسكندرية هذه المشكلة بنظم أربع وعشرين من دراساته فيما يعرف باسم «منهج جالينوس»؛ الذي دعي فيما بعد، على نحو يبعث على الارتباك، باسم «الستة عشر كتابا». كان على الطلاب أن يقرءوها بترتيب معين، والنتيجة كانت تعليما طبيا وجيزا وشاملا في الوقت نفسه. كان منهج جالينوس ناجحا للغاية حتى إنه انتشر في سوريا وإيطاليا، وشكل أساسا للتعليم الطبي في كل أنحاء العالم الإسلامي من القرن العاشر وما بعده. قال فيفيان نوتون، الخبير الأبرز في جالينوس والطب القديم بوجه عام، عن منهج جالينوس: «لا يمكن أن نوفيه قدره.»
16
فهذا المنهج حدد أطر دراسة الطب لقرون واقتضى أن يفهم الأطباء المبادئ التي يستند إليها العلم، مساعدا في الوقت نفسه على إضفاء الطابع المهني على هذا الفرع من المعرفة وفرض معايير صارمة.
لم يكن ثمة أحد أكثر صخبا بشأن شهرة جالينوس منه هو نفسه؛ إذ زعم أن لديه طلبات من مرضى يعيشون في كل أنحاء الإمبراطورية، وأملى أطروحات على عشرين ناسخا في وقت واحد، وكان هذا إنتاجا نصيا ضخما؛ لذا لا عجب أن التوزيع الجغرافي لعمله كان واسع النطاق للغاية. في السنوات التي تلت وفاته في روما، نحو سنة 210، كان نسخ الأطروحات الجالينوسية يحدث في أماكن بعيدة مثل المغرب، وسيطر جالينوس على موسوعات العصور القديمة. وكما هو الحال مع كتابي «العناصر» و«المجسطي»، أجبر حجم «مجموعة الكتابات الجالينوسية» الباحثين على ابتكار طرق لمعالجة المعلومات واختصارها. كان عمل مخطوطات يستنزف قدرا كبيرا جدا من الوقت والمال؛ لذا كانت النسخ الجديدة التي تشمل هذه الأعمال بمجملها نادرة. كثفت الأفكار العلمية ونقلت عن طريق مؤلفات ثانوية - الموسوعات والتعليقات والقواميس والملخصات - وليس في الشكل الذي كان كتابها يسعون إليه، ولكن على الأقل بقي بعض من الأفكار الأساسية وجرى تناقله من جيل إلى جيل.
بحلول نهاية القرن الخامس، كانت خريطة المعرفة قد تغيرت تغيرا جذريا. كان أغلب مراكز المعرفة القديمة قد تلاشى، وأغلقت المدارس، ونهبت المكتبات وأحرقت، أو تركت لتتلاشى في سكون. كانت الإسكندرية لا تزال مركزا للتجارة وللأفكار، ولكن المكتبة كانت مجرد طيف لما كانت عليه في الماضي. في عام 415، كانت طغمة من المتعصبين المسيحيين قد قتلت الفيلسوفة وعالمة الرياضيات هيباتيا. فاعتقادا منهم أنها ساحرة، سلخوها حية بأصداف المحار، ثم تحولوا باهتمامهم صوب المعبد الرائع للإله سيرابيس ومجموعة اللفائف التي يحويها، ونزعوا «أحجار المعبد؛ ما أدى إلى سقوط أعمدة الرخام الضخمة، وانهيار الجدران نفسها».
অজানা পৃষ্ঠা