فطرِب لها سيف الدّولة، وما ارتضاها مقدار، فقال سيف الدولة: يا مُقَيدِيرُ، ما تقول؟ قال: أقول خيرًا منه. قال: أخرج من عهدة دعواك. فأنشد مقدار في الحال هذه الأبيات على الارتجال، وهو سكران، وهي:
ولمّا تناجَوا للفراق غديّةً ... رمَوا كلّ قلبٍ مطمئنّ برائعِ
وقفنا ومنّا حنّةٌ بعدَ أنّةٍ ... تقوِّمُ بالأنفاسِ عوجَ الأضالعِ
مواقفَ تُدمي كلّ عشواءَ ثرّةٍ ... صَدوفِ الكرى إنسانُها غير هاجعِ
أمِنّا بها الواشينَ أن يلهَجوا بنا ... فلم نتّهم إلا وُشاةَ المدامعِ
وأعطاني سديد الدولة بن الأنباريّ قصيدة لمِقدار فيه، في دَرْج بخطّه، فنقلتها منه. وهي:
أهدى خَيالًا الى خيالِ ... محكِّمُ الهجْرِ في وِصالي
فبات زُورُ الكرى يُريني ... مقتنصَ الأُسدِ في حِبالي
يا ليلةً ساعفتْ مَشوقًا ... فداءُ ساعاتِك الليالي
أعطيتِ كل المُنى فشكرًا ... لِما توخّيتِ من فَعالِ
وفي قِباب الرِّكابِ بدرٌ ... تاهَ جمالًا على الجمالِ
هزّ قضيبًا على قضيبٍ ... رغّب في الوجْدِ كلّ سالي
كم راعني في الصّباح غدرًا ... وفي ظلام الدُجى وفَى لي
إذا رنا من كَحيل طرْفٍ ... أغزلَ من مُقلةِ الغزالِ
أرخصَ قتلَ النّفوسِ عُجبً ... وهي على غيره غَوالي
في خدّه للجمال خالٌ ... قلبي من الصّبر عنه خالي
علّمني حُسنُه خضوعًا ... علّمهُ عِزّةَ الدّلالِ
يا صاحبي والأبيّ منْ لا ... يُخطِرُ خوفَ الرّدى ببالِ
كم يأكلُ الغِمدَ غرْبُ ماضٍ ... يَغْنى بغربَيْه عن صِقالِ
ويشتكي والشّكاةُ مما ... ينوبُ عارٌ على الرّجالِ
الفخرُ في كسبك المعالي ... والمجدَ ما الفخرُ كسبُ مالِ
قد أمِنَتْ من خطوبِ دهري ... جوانحي عائرَ النِّبالِ
أو ينتحيني الزّمانُ كيدًا ... يُعيرُ إقدامه احتمالي
واليومَ أعطى الأمانَ سرْبي ... من طُلسِهِ والقُوى حبالي
لما تفيّأتُ ظِلّ عزٍّ ... غيرَ مُصيخٍ الى انتقالِ
وعاد هَضْبي عن اللّيالي ... أمنعَ من أعصم الجِبالِ
تستغرقُ السّهمَ لي حِذارًا ... يا نابلَ الدّهرِ عن نِصالي
إنّ ابنَ عبدِ الكريم أحيا ... بجوده أعظُمي البوالي
خوّلني أنعُمًا جِسامًا ... تصونُ وجهي عن السُؤالِ
ونائلًا يفضُلُ الغوادي ... فضلُ يمينٍ على شِمالِ
فما أُبالي أضنّ بُخلًا ... أم جاد بذلًا أخو نَوالِ
يا راكبًا يقطعُ الفَيافي ... وخْدًا بمأمونة الكَلالِ
ناجيةً تقصُرُ الموامي ... ذَرعًا على الأذرُع الطِّوالِ
كأنّها مُعصفٌ طَلوبٌ ... تشرَعُ في عاصفٍ شمالِ
تبغي النّدى والنّدى مُباحٌ ... حيثُ اطمأنّت به المعالي
عندَ أمينِ الملوكِ أمنٌ ... لناشدِ الجودِ من ضلالِ
لاذَ بنُعماهُ حسنُ ظنّي ... فآلَ منه الى مآلِ
فانتاشني ناشطًا عِقالي ... وراشَني مُحسنًا لحالي
وعمّني سَيْبُ راحتَيْه ... لأنّه خصّ بالكمالِ
مؤيّدَ الدّين دُمْ لعافٍ ... أشرفَهُ الدهرُ بالزُلالِ
ناجاك عن كاهلٍ طَليحٍ ... عجّ بأعبائه الثِّقالِ
فاستنقذْتهُ من اللّيالي ... يداك بالأنعُم الجِزالِ
واستجلِ غرّاءَ بنتَ فكرٍ ... تُزَفّ معْ غُرّة الهلالِ
تَزينُ ألفاظَها معانٍ ... تُلهي مَلولًا عن المَلالِ
1 / 39