فعلا ضحك الجميع - أصحاب قهوة الزهرة والآخرون - وقال المعلم نونو موجها خطابه لسيد أفندي: أمنية قلبي أن أراك يوما مثلنا!
فقال سيد عارف كالمحتد: هذا يدل على سوء نيتك!
وسألوه عن الأقراص الجديدة، ولكنه أبى أن يذكر عنها شيئا خشية أن تصيبها نفس.
فقال المعلم زفتة: إنما الأعمال بالنيات !
وكان كثيرا ما يستشهد في أحاديثه بالحكم والأمثال أو الأحاديث الشريفة كيفما اتفق دون مبالاة بمطابقتها لمقتضى الحال، ودون أن يفطن إلى شذوذ الاستشهاد عن معنى كلامه، على أنه لم يكن يتنبه إلى غفلته تلك إلا قلة من الحاضرين! وضاق سليمان بك عتة بالضجيج ذرعا واشتد وجهه القبيح كآبة فقال بحنق وعنف كعادته إذا استاء أو غضب: الهدوء ... يا هوه، للغرزة آدابها!
ولاحت الدهشة في وجه كمال خليل فسأله باهتمام: وما آداب الغرز؟!
فقال القرد باستياء: هذه الضجة خليقة بالحانات حيث يفقد السكارى عقولهم، الغرز على عكس ذلك جديرة بالهدوء والصمت، فالحشيش سلطان يوجب على مواليه الخشوع والسكون، بالهدوء والصمت يبلغ التخدير مداه فيصفو المزاج وتنثال على الخيال الأحلام فيظفر الإنسان بمشكلات يومه ومتاعبه ويحسن التفكير فيها وحلها واحدة بعد أخرى! - ولكننا نجيء هنا لننسى المشكلات والمتاعب لا لنفكر فيها! - بئس الرأي، إن الهروب من المتاعب لا يذهبها ولكنه ينسي عذابها إلى حين كي تعود أفظع مما كانت، حكمة الحشيش تهبنا ثقة نواجه بها المتاعب بقلب قادر على الاستهانة وتهوين خطبها فتذوب في بالوعة النسيان وتمحى من الوجود.
فقال سيد عارف ضاحكا: فليس هذا بكرسي حشيش، ولكنه كرسي الاعتراف!
وقال المعلم زفتة: صدقت، هذا حشيش القسيس! وصدق من قال يا جحا عد غنمك!
ثم قال المعلم نونو مستنكرا وموجها خطابه لسليمان بك: وكيف يلزم الصمت من خلا من المتاعب؟ - وهل يخلو من المتاعب إلا حيوان؟ - فكيف شعرت بها؟!
অজানা পৃষ্ঠা