فرفع أحمد رأسه إليه وقال: تفضل يا رشدي.
وقرأ في وجهه الجميل الشاحب أمارات الرزانة والاهتمام على غير عادته، فعجب لأمره، وتساءل عما دعا السادر اللاهي إلى الجد والاهتمام، وذكر أنه لم يره في مثل تلك الحالة إلا في السويعات الحرجة التي تلقى فيها أنباء سقوطه في بعض الامتحانات على عهد دراسته، وساوره القلق ورفع حاجبيه الخفيفين متسائلا، فقعد رشدي على الكرسي وقال: أريد أن أجد في الأمر فليست الحياة كلها لعبا!
ولو أنه سمع كلامه هذا في غير الظروف النفسية التي يعانيها لما تمالك أن يضحك ويقهقه، ولكن صدره انقبض، وحدس قلقا ما الشاب ماض إلى خوضه، فقال بهدوء: الحياة ليست كلها لعبا، هذا حق!
فقال الشاب: أنت مرجعي عند المشورة، وقد جئتك سائلا هل توافق على زواجي؟
فاضطرب صدره كما لو كان بوغت بالقول مباغتة لم تدر له بخلد، ولكنه لم يسمح لوجهه بالإفصاح عن كآبته، وتظاهر بالدهشة البريئة، بل وبالسرور، وقال: أجئت تتحدث أخيرا عن الزواج! مرحى مرحى!
فضحك رشدي بسرور وقال: هي الحقيقة يا أخي، فهل يسرك ذلك؟ - يسرني طبعا، لعلنا سررنا بشيء معا لأول مرة!
وتبع ذلك صمت، وأدرك أحمد أنه من الطبيعي أن يسأل عن العروس، وكان يرجو أن يفتح الآخر الحديث بغير حاجة إلى سؤاله، ولكنه لازم الصمت، فلم يجد مناصا من أن يزدرد ريقه ويقول متسائلا: وهل اهتديت إلى بنت الحلال؟
فاعتدل الشاب في جلسته وقال: أجل يا أخي، كريمة جارنا الطيب كمال خليل أفندي صديقي وصديقك!
ولم يفلح ما سلف من تأهب في تحمل الطعنة إلا قليلا، فيأس المتهم من النجاة لا يهون على نفسه وقع النطق بالحكم عليه، ولكنه لاذ بكبريائه وقال بهدوئه: وفقك الله لما فيه سعادتك. - شكرا لك يا أخي. - بيد أني أريد أن أسألك سؤالا على سبيل الاحتياط، فهل زودت بالمعلومات الضرورية عن الأسرة التي ستصبح واحدا منها؟ - خبرت الأسرة عن كثب، وعرفت الفتاة معرفة شخصية!
ونكأ تصريحه جرحه فضاعف مجهوده ليحافظ على هدوئه الظاهري، وقال: أذكرك بأنه إذا أعلن الخبر فالنكوص عنه يكون فضيحة!
অজানা পৃষ্ঠা