ويوم جاءنا قابضا على ذيل قط ميت، وسألنا: ما فائدة هذا؟
فأجاب رفاعة: ندفنه فنكسب ثوابا! - يا تربي يا حقير!
وأمرنا أن نتبعه، فسرنا وراءه والمغيب يهبط فوق المآذن والقباب، حتى وقفنا في عطفة تنحدر إلى شارع الخليج. وقف مخفيا القط وراء ظهره، حتى رأى الترام قادما من بعيد. انتظر حتى مر الترام أمام العطفة، ثم رمى القط في مقصورة الدرجة الأولى، فارتطم بالرءوس وأسقط الطرابيش، ثم انطلقت العصابة بأقصى سرعة في الظلام، وما زال يقودنا من فتح إلى فتح، حتى قال لنا ذات يوم: إنكم لا ترون المرأة إلا وراء الشيش، أو في ملاءة مثل زكيبة الفحم!
تطلعنا إليه باهتمام - عدا رفاعة الذي لم يبق منه وقتذاك إلا ذكرى - أجل، تطلعنا إليه باهتمام، فقال: سترونهن بلا حجاب ولا حاجز ولا تمنع!
تجلى الشك في الأعين، فقال بمباهاة: موعدنا يوم السينما، وليرتد كل منكم جاكتة فوق جلبابه.
وقد غاب الشربيني عني دهرا، حتى كنت في جولة تفتيشية بجرجا، فصادفته على غير انتظار، عرفته من أول نظرة كما عرفني، كان معتما بعمامة خضراء مطلق اللحية، يدعى «عبد الله المدني»، ويزعم أنه مهاجر من جيرة رسول الله، ويبيع للبسطاء ترابا في لفافات من الورق، قال إنه من تراب القبر النبوي، وإنه يشفي من جميع الأمراض. رآه وسط حلقة من مريديه فترامقا مليا، ثم لحق به في نادي الموظفين، وما كاد يخلو إليه حتى صاح: بالأحضان!
فتعانقا، وتساءل الرجل عن صناعته الغريبة، فقال الشربيني: الرزق له أحكام! - ولكن ... - طول عمرك تقول «لكن» .. الحق أن كل شيء سخيف.
وجعل الرجل يضحك، حتى قال الشربيني: لي زوجة وأولاد في القاهرة، ولكن ضاق بي الحال مذ ولت أيام الفتونة، فهاجرت إلى البلاد أعمل طبيب أسنان أو وليا من أولياء الله .. وهو خير على أي حال من القتل! - ومستقبل أولادك؟
فضحك كأيام زمان، وقال: لا خوف عليهم، ما دام أولاد الكلب يرتفعون إلى أعلى المناصب.
وعندما تصافحنا للوداع، بسط لي يده دون أن ينبس، فدسست يدي في جيبي وأنا أقول: لك في ذلك حق، فطالما جدت علينا بسخاء.
অজানা পৃষ্ঠা