تأليف
نجيب محفوظ
كلمة غير مفهومة
تثاءب المعلم حندس طويلا، وهو يزيح الغطاء عن جسده، وجلس في الفراش معتمدا بذراعيه على ساقيه، متقوسا تحت وطأة غم لاحت آياته في وجهه الممتلئ العريض، ورأى زوجته واقفة وسط الحجرة، وهي تجمع شعرها المشعث تحت منديلها البني، فقال بنبرة ناعسة: حلم غريب!
التفتت نحوه باهتمام قائلة: خيرا إن شاء الله. - طول الليل مع حسونة الطرابيشي.
تجلت في عيني المرأة نظرة فارغة من كل معنى، فراقبها بعيني صقر تطلان من سحنة أطبقت على أديمها آثار طعنات وجراح قديمة، ثم قال: حسونة الطرابيشي! .. أنسيت الرجل الذي طمع يوما في الفتونة؟
ندت عنها آهة وتمتمت: نعم .. يا له من عمر! - حوالي خمسة عشر عاما. - وماذا رأيت؟ - رأيته كما رأيته آخر ليلة في الخيامية، صريعا تحت قدمي، والدم يغطي فاه وذقنه وأعلى جلبابه! - أعوذ بالله. - وردد آخر كلماته: «سأقتلك يا حندس وأنا في القبر.» - أعوذ بالله. - رأيتني بعد ذلك أجالسه في مكان غير محدد المعالم، وكنا نضحك عاليا كما كنا نفعل قبل أن تفرق بيننا البغضاء، وقال لي معاتبا: أنت قتلتني. فقلت له: وأنت توعدتني بالانتقام. فضحك طويلا ثم قال: انس كل شيء، أنا نسيت، وأمس زرت ابني وقلت له: لا تفكر إلا في الحياة ودع الموت والأموات للخالق. وجعلنا نضحك حتى استيقظت.
تجمدت ملامح المرأة، وغشيتها سحابة مظلمة من الذكريات، فقال حندس بصدر منقبض: أنت خائفة؟! - أبدا، ولكني أتساءل عن تفسير للحلم. - المهم أنه ذكرني بأشياء نسيتها.
سألته عن «الأشياء» بهزة من رأسها، وهي غارقة في التفسير، فقال: ذكرني بما قيل يوم دفن حسونة من أن زوجته رفعت طفله فوق القبر، ونذرت إن عاش الطفل أن يكون مقتلي على يديه. - ولكن زوجة حسونة اختفت منذ دفنه. - نعم، ولعل طفلها اليوم في عز الشباب!
قالت ملتمسة الطمأنينة له ولنفسها: أنت سيد الحي، رجاله رجالك، وربنا الحافظ.
অজানা পৃষ্ঠা