10
إذن فلا بد أن ألد، إنني منذ فترة أصبحت أتوق إلى الأولاد، لا أدري أي جديد غير نفسي، وجعلني أتوق إلى الأطفال، أهو السن، وقد علت بي، أعلت بي السن؟ على كل حال لم أعد صغيرة كما كنت حين رفضت أن ألد، ولكني الآن أريد طفلا، طفلا ألده أنا ولا أربيه لغيري، مهما أقدم لأسامة من عطف يجسمه المال حينا، أو يجسمه الاهتمام حينا آخر، فسيظل أسامة ابن سهام وليس ابني، وسأسمعها تعيرني بأني لم ألد؛ فهي جديرة دائما بأن تقول أي شيء في جرأة ووقاحة لا يبلغها أحد.
ومهما أبذل من اهتمام بعبير، ومهما تقل لي ماما إلهام، فستظل دائما ابنة ناهد ودري ولن تكون ابنتي، أريد لنفسي طفلا ولن أسكت حتى أنال هذا الطفل، لعل دري لا يهمه أن يكون له ولد مني، أما أنا فيهمني، لقد أوقفت تناول الدواء منذ فترة ومع ذلك ...
ويقطع عليها دري هذا التفكير الملح، وهو يدخل ممتقع الوجه لا إشراق فيه، ولا تلحظ هي ما به؛ فقد كانت في رغبتها هذه مطمورة لا تفكر في إنسان آخر، وقبل أن تجيب تحيته المرتجفة. - دري أريد طفلا.
ولم يكن دري صالحا لأي نقاش، ولكن كان لا بد أن يجيب. - وماله. - لماذا لا أنجب؟ - حين تزوجنا لم تكوني راغبة. - وأصبحت راغبة. - هل ترين سننا الآن تصلح؟ - هل كبرنا؟ - أرقام عمرنا تقول ذلك. - لدرجة أننا لن نستطيع الإنجاب. - إلهام أنا متعب. - أنا لا أراك إلا في هذه الساعة كل يوم، وتستكثر علي أن أكلمك. - هذا الموضوع ليس من السهل بحثه الآن. - أريد أن أذهب إلى طبيب. - نذهب . - متى؟ - فقط يا إلهام قد يقول الطبيب إن سننا لم تعد ... - دعه هو يقول. - لا تنسي أنني أيضا طبيب. - طبيب عظام. - ولكن متخرج في كلية الطب. - ولكنه ليس تخصصك. - نذهب. - متى؟ - متى تشائين. - غدا. - غدا نرى. - لا نرى.
ويقطع عليهما مجيء عبير وأسامة الحديث كلاهما عابس متجهم، والأب مذعور في داخله، وأكثر ما يخشاه أن يدخل في نقاش آخر مع ابنته وزوجها. لم يغفل ما هما عليه من مغاضبة، ولكن لم يرد أن يسأل، ولكن متى كانت عبير تنتظر السؤال؟ إنها لم توجه كلامها إليه، وإنما التفتت إلى إلهام. - ماما إلهام اسألي البك مع من كان يجلس اليوم في النادي. - هل أنا محجور علي؟ - يا أخي إذا كنت تريد الزواج منها، فما الذي منعك؟ - يا ستي لقد تزوجتك وانتهى الأمر. - فما معنى جلوسك معها في النادي؟ - وتنتظرين أن أهرب منها. - إنك أنت الذي ذهب إلى الشلة التي كانت تقعد معهم. - وما العيب في ذلك؟ - ألا تدري ما العيب؟ - ما العجيبة؟ - لماذا اخترت هذه الشلة بالذات؟ - أصدقائي وصديقاتي، ماذا في هذا؟ - لقد قلت بلسانك. - ألا تعرفين ذلك؟ - أنا منتظرة أن أعرف منك. - وها أنت عرفت. - يا سعادة البك أرجوك أن تفوق لنفسك، ليس في النادي من يجهل صداقتك هذه. - وماذا في هذا؟ أنا ألعب تنس وهي تلعب تنس. - والتنس لا يلعب إلا معها؟ - وهل تنتظرين أن أرفض اللعب إذا جاءت إلى الملعب؟ - وهي ما الذي يأتي بها إلى ملعب أنت فيه؟ ألم تعرف أنك تزوجت؟ - وهل معنى أنني تزوجت أن أخاصم الناس؟ - أيعجبك هذا الكلام يا ماما إلهام؟ - والله يا بنتي أنا لا أفهم شيئا. - ماما إلهام ألم تفهمي؟ - الذي أعرفه أنه ما دام تزوجك، فلا تخافي عليه، وهل في النادي من هو أجمل منك؟ - هذا في رأيك أنت، أما سعادة البك فله رأي آخر. - أرجوك يا عمي دري اشترك معنا في الحديث. - اترك عمك دري في حاله، أنا ذاهب لأنام.
وقام عن ثلاثتهم، ولكن أسامة ما لبث أن قام هو الآخر، وبقيت السيدتان في نفس كل منهما كلام متنافر كل التنافر؛ فإحداهما خائفة على زوجها أن تحيط به الفتاة الأخرى، وأما الثانية فمشغولة بهذا الجديد الذي يلح عليها إلحاحا شديدا حتى ليخيل إليها أنها لن تعرف إلى الهدوء سبيلا إلا إذا رزقها الله بولد أو بنت، وكل من السيدتين لا يريد أن يتكلم؛ فالصمت هو اللغة الوحيدة التي يمكن أن تكون مشتركة بينهما.
حين ذهب دري إلى حجرته سارع إلى السرير يريد لهذا الليل المهدم الضبابي أن ينقشع عن يوم جديد ليعرف ما الذي عرفته سهام؛ فالليل بالنسبة إليه طويل طويل كأنه الدهر، وهو لا يستطيع أن يتكلم في التليفون؛ فإن التليفون يتعذر فيه الحديث في هذا الوقت من الليل، وهو بعد لم يتح له الوقت الذي يحتاج إليه ليكذب ويؤلف ويعتذر ويموه، فلم يكن أمامه إلا أن ينتظر.
أما أسامة فقد كانت تدور في نفسه خواطر أخرى يخشى أن يطول الحديث بينه وبين عبير، فيقول ما لا يريد أن يقول؛ فالنوم هو حصنه الحصين، وهو به قد تحصن.
11 - كل علاقة لا بد أن تنتهي. - لقد أخطأت الفهم. - لا أريد أن أعرف شيئا. - أشرح لك. - لا تجهد نفسك. - على الأقل لتعرفي الحقيقة. - لا أريد أن أعرفها. - اسمعيها. - كنت أستطيع أن أرى الحقيقة بالأمس وهربت.
অজানা পৃষ্ঠা