وما أهنأها شيخوخة عندما ينظر أحدنا - وقد بلغ السبعين - في فهرس حياته، فيجد العناوين البارزة لما قام به من دراسة وكفاح حتى تكونت له شخصية ناضجة مؤلفة من الاستقلال الروحي وبالاستمتاع الفني.
وما أتعسها شيخوخة يقضيها أحدنا في المرض والجهل والجمود كأنه قد قطع صلته بالعالم، يقال من وظيفته في الستين وكأنه قد أقيل من الحياة كلها، فهو في الحقيقة ميت قد تأخر دفنه؛ وذلك لأنه لم يثقف ذهنه أيام الشباب ولم يغرس في نفسه اهتمامات حيوية تغذو شيخوخته وتحيي عواطفه وتنبه عقله.
من هو الرجل المثقف
كان الرئيس ولسون رجلا مثقفا درس الكتب وخبر الدنيا، كان مديرا لجماعة برنستون ينظم الثقافة لشباب الولايات المتحدة، ثم كان رئيس للجمهورية في سني الحرب، فحاول جهده أن يصون السلم ولكنه اضطر أخيرا إلى الحرب، فلما انتهت - أو قبل أن تنتهي - وضع الشروط الأربعة عشر التي كان «تقرير المصير» للأمم الصغيرة واحدا منها، وهو شرط قد انتفعنا نحن به في حركة 1919، ثم كان أثر ولسون كذلك كبيرا في إيجاد عصبة الأمم، بل هي من مبتكرات ذهنه الخصيب المثقف.
فإذا تكلم الرئيس ولسون عن الثقافة، ما هي وكيف تكون، ومن هو الرجل المثقف؛ فإنه لا يتكلم باعتباره رجل القلم والحبر فقط، بل أيضا رجل السياسة العالمية والخبرة الدنيوية، ثم هو رجل مثقف قد أثمرت فيه خير ثمراتها، إذ جعلته إنسانا إنسانيا يطلب الدنيا كلها وطنا له ويسعى للسلام وينشد الحماية للأمم الصغيرة من الأمم الكبيرة، فإذا قسناه باختباراته الماضية ومؤلفاته في الجامعة، أو بما انتهى إليه من الشروط الأربعة عشر، أو اختراع عصبة الأمم؛ فإننا نجد فيه أجمل مثال للرجل الشريف المثقف، والسبب لا نخطئ إذا نحن اعتمدنا عليه في صفة الرجل المهذب، فهو حين يصفه إنما يصف نفسه.
وضع الرئيس ولسون أربعة شروط للرجل المهذب هي: (1)
أن يعرف تاريخ العالم منذ بداية الكون، فنشأة الحضارة، إلى الآن. (2)
أن يعرف تاريخ الأفكار السائدة التي يسير عصرنا على مبادئها. (3)
أن يعرف علما من العلوم في المعنى الذي يطلق عليه اسم
Science
অজানা পৃষ্ঠা