الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري
تأليف
أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن محمد الكوراني الشافعي ثم الحنفي (المتوفى سنة ٨٩٣ هـ)
تحقيق
الشيخ أحمد عزو عناية
[المجلد الأول]
অজানা পৃষ্ঠা
الْكَوْثَرُ الْجَارِي إلى رِيَاض أحَادِيثِ البُخَارِيّ
[١]
1 / 3
حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة
الطبعة الأولى
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
مؤسسة التَّارِيخ الْعَرَبِيّ للطباعة والنشر والتوزيع
العنوان الْجَدِيد
بيروت - طَرِيق المطار - خلف غولدن بلازا
هَاتِف: ٥٤٠٠٠٠/ ٠١ - ٤٥٥٥٥٩/ ٠١
فاكس: ٨٥٠٧١٧ - ص. ب: ٧٩٥٧/ ١١
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المحقق
الحمد لله رافعِ أعلام الشريعة الغرَّاء، جاعلها شجرةً أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء، الذي أعلى منازل الفقهاء، إعلاء يوازن هممهم العلية، في خدمة الحنيفية السمحة البيضاء.
والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، أفضل الرُّسُل والأنبياء، وسند الأتقياء، ومخرج الأمة من الظلمات إلى النور والضياء.
وعلى آله وصحبه، السادة النجباء، والقادة الأصفياء، شموس الهداية، وبدور الاهتداء، الناضري الوجوه، بتبليغ ما بلغوه من أدلة الشريعة الغراء.
وبعد:
لقد أقام الله ﷿ لهذا الدين -بعد نبيه وصحابته- من يحافظ على تشييد أركانه، ويكسِّر معول المحاولين للنيل منه أو هدمه، مضحين بذلك بكل غالٍ وثمين فداء لهذا الدين العظيم.
هذا ومن بين أولئكم الذين أقامهم الله في خدمة دينه، الإمام أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن محمد الكوراني، ﵀، الذي سخر حياته لنهل العلم أولًا وللتعليم والتأليف ثانيًا، ومن هذه الكتب: كتابه هذا (الكوثر الجاري على رياض البخاري) الذي ألبسناه حلة قشيبة جديده، أسأل الله ﷾ أن أكون قد وفقت في ذلك.
وكتبه: العبد الفقير إلى مولاه أحمد عزو عناية
في ١٦/ شوال/ ١٤٢٨ هـ الموافق
لـ ٢٧/ تشرين الأول/ ٢٠٠٧ م
سوريا - دمشق - كفر بطنا - هاتف: ٠٩٣٣٤٢٧٦٣٠
1 / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ترجمة الإمام الكوراني
١ - اسمه ونسبه:
هو أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن محمد الكوراني، شمس الدين، شيخ الإسلام، الرومي، الشافعي، ثم الحنفي.
كردي الأصل، من أهل شهرزور.
٢ - ولادته:
ولد سنة (٨١٣ هـ).
٣ - حياته العلمية والدعوية:
دأب في فنون العلم، حتى فاق في المعقولات، والمنقولات، واشتهر بالفضيلة.
ودخل القاهرة، ورحل إلى الروم، وصادف من ملكها السلطان مراد خان حظوة، فاتفق أنه مات وهو هناك الشيخ شمس الدين الفنري، فسأله السلطان أن يتحنَّف، ويأخذ وظائفه، ففعل، وصار المشار إليه في المملكة الرومية.
قال السخاوي:
حفظ القرآن، وتلاه للسبع علي الزين عبد الرحمن بن عمر القزويني البغدادي الجلال، واشتغل، وحل عليه الشاطبية، وتفقه به، وقرأ عليه الشافعي، وحاشية للتفتازاني، وأخذ عنه النحو، مع علمي المعاني والبيان والعروض.
وكذا اشتغل على غيره في العلوم، وتميز في الأصلين والمنطق وغيرها، ومهر في النحو والمعاني والبيان وغيرها من العقليات، وشارك في الفقه.
ثم تحول إلى حصن كيفا، فأخذ عن الجلال الحلواني في العربية.
وقدم دمشق في حدود الثلاثين، فلازم العلاء البخاري، وانتفع به، وكان يرجح الجلال عليه.
وكذا قدم مع الجلال بيت المقدس، وقرأ عليه في الكشاف، ثم القاهرة في حدود سنة
1 / 7
خمس وثلاثين، وهو فقير جدًّا، فأخذ عن شيخنا بقراءته في البخاري، وشرح ألفية العراقي، ولازمه وغيره، وسمع في صحيح مسلم أو كله على الزين الزركشي، ولازم الشرواني كثيرًا.
قال المقريزي، وقرأت عليه صحيح مسلم، والشاطبية، فبلوت منه براعة، وفصاحة، ومعرفة تامة لفنون من العلم ما بين فقه وعربية وقراءات وغيرها.
وأكب على الاشتغال والأشغال، بحيث قرأ على العلاء القلقشندي في الحاوي، ولازم حضور المجالس الكبار، كمجلس قراءة البخاري بحضرة السلطان وغيره، واتصل بالكمال بن البارزي، فنوه به، وبالزيني عبد الباسط، وغيرهم من المباشرين والأمراء، بحيث اشتهر، وناظر الأماثل، وذكر بالطلاقة، والبراعة، والجرأة، الزائدة.
وقال التقي الغزي في الطبقات السنية في تراجم الحنفية:
ذكره الحافظ جلال الدين السيوطي، في كتابه نظم العقيان، في أعيان الأعيان.
كان حنفي المذهب، قرأ ببلاده، وتفقه، ثم ارتحل إلى القاهرة، وقرأ بها القراءات العشر، وسمع الحديث، وأجازه ابن حجر، وغيره.
ثم رحل إلى الديار الرومية، واجتمع بالسلطان مراد خان، فأكرمه، وعظَّمه، وجعله مؤدبًا لولده السلطان محمد، فأقرأه القرآن، وأحسن تأديبه.
ثم إن السلطان محمدًا المذكور لما جلس على سرير المُلك، بعد موت أبيه، عرض الوزارة عليه، فأبى ولم يقبل، وقال: إن من ببابك من الخدم والعبيد، إنما يخدمونك لينالوا الوزارة في آخر أمرهم، فإذا كان الوزير من غيرهم تتغير خواطرهم، ويختل أمر السلطنة، فأعجبه ذلك.
وعرض عليه قضاء العسكر، فقبله، وباشره أحسن مباشرة، وقرب أهل الفضل، وأبعد أهل الجهل.
ثم إن أهل السلطان عزله، وأعطاه قضاء بروسة، وولاية الأوقاف بها، فلم يزل بها ينفذ الأحكام، ويعدل بين الأخصام، إلى أن ورد عليه مرسوم مخالف للشرع الشريف، فحرقه، وعزر من هو بيده.
فلما بلغ السلطان ذلك عزله عن القضاء، ووقع بينهما بسبب ذلك منافرة ووحشة.
فرحل الكوراني إلى الديار المصرية، وكان سُلطانها إذ ذاك الملك الأشرف قايتباي، فأكرمه غاية الإكرام، وأقبل عليه الإقبال التام، وأقام عنده مدة، وهو على نهاية من الإجلال والتعظيم.
ثم إن السلطان محمدًا ندم على ما فعل، وأرسل إلى قايتباي، يلتمس منه إرسالة إليه،
1 / 8
فذكر ذلك للكوراني، ثم قال: لا تذهب إليه، فإني أكرمك فوق ما يكرمك.
فقال له الكوراني: نعم أعرف ذلك، إلا أن بيني وبينه محبة أكيدة، كما بين الوالد والولد، وما وقع بيننا من التنافر لا يُزيلها، وهو يعرف أني أميل إليه بالطبع، فإذا امتنعت من الذهاب إليه، لا يفهم إلا أن المنع كان من جانبك، فتقع بينكما عداوة.
فاستحسن السلطان قايتباي منه ذلك، وأهَّب له ما يحتاج إليه في السفر، ووهبه مالًا جزيلًا، وأرسل معه بهدايا عظيمة إلى السلطان محمد خان.
فلما وصل إليه أكرمه فوق العادة، وفوَّض إليه قضاء بروسة، فأقام به مدة.
ثم فوض إليه منصب الفتوى بالديار الرومية، وعين له كل يوم مئتي درهم، وكل شهر عشرين ألف درهم، وكل سنة خمسين ألف درهم، سوى ما كان يتفقده به من الهدايا والتحف، والعبيد والجواري.
وعاش في كنف حمايته في نعم وافرة، وإدرارات مُتكاثرة.
وكانت أوقاته كلها مصروفة في التأليف والفتوى، والتدريس والعبادة.
وتخرَّج به جماعة كثيرة.
حُكي عنه أنه كان يختم القرآن في أكثر لياليه، يبتدي فيه بعد صلاة العشاء الآخرة، ويختمه عند طلوع الفجر.
وكان رجلًا طوالًا، مهيبًا، كبير اللحية، وكان يصبغها، وكان قوالًا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، يخاطب السلطان والوزير باسمهما، وإذا لقي أحدًا منهما يسلم ﵇ الشرعي، ولا ينحني له، ويصافحه، ولا يُقَبِّل يده، ولا يذهب إلى السلطان إلا إذا دعاه، وكان كثير النصيحة لمخدومه السلطان محمد، قوي القلب في الإقدام بها عليه.
ومما يُحكى عنه، أنه قال مرَّة لمخدومه المذكور مُعاتبًا: إن الأمير تيمور أرسل بريدًا في مصلحة من المصالح المهمة، وقال له: إن احتجت في الطريق إلى فرس فخذ فرس كل من لقيته، ولو كان أبي شاه رخ.
فتوجه البريد إلى ما أمر به، فلقي في طريقه العلامة سعد الدين التفتازاني، وهو نازل في بعض المواضع، وخيله مربوطة بإزاء خيمته، فأخذ البريد منها فرسًا واحدًا، فظهر السعد إليه من الخيمة، وأمسكه وأخذ الفرس منه، وضربه ضربًا شديدًا.
فرجع البريد إلى تيمور، وأخبره بذلك، فغضب غضبًا شديدًا، ثم قال: لو كان ابني لقتلته، ولكن كيف أقتل رجلًا ما دخلت إلى بلدة إلا وقد دخلها تصنيفه قبل دخول سيفي.
ثم قال الكوراني: إن تصانيفي تقرأ الآن بمكة، ولم يبلغ إليها سيفك.
1 / 9
فقال له السلطان محمد خان: نعم، كان الناس يكتبون تصانيفه، ويرحلون من سائر الأقطار إليها، وأما أنت فكتبت تصنيفك، وأرسلت به إلى مكة.
فضحك الكوراني، واستحسن هذا الجواب غاية الاستحسان.
٤ - تصانيفه:
له من التصانيف:
١ - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع للسبكي في الأصول:
قال حاجي خليفة في كشف الظنون:
وهو شرح ممزوج.
أوله: الحمد لله الذي شيد بمحكمات كتابه ... إلخ.
وسماه: الدرر اللوامع.
وكان الشرح الذي صنفه المحلي في غاية التحرير والإتقان مع الإيجاز، ورغب الأئمة في تحصيله وقراءته، وقرأه على مؤلفه من لا يُحْصى، ولما ولي تدريس البوقوقية بعد الكوراني كان سببًا لتعقب الكوراني عليه في شرحه بما ينازع في أكثره. كذا في الضوء.
٢ - رسالة في الرد على منلا خسرو في الولاء:
قال حاجي خليفة في كشف الظنون:
رسالة في الولاء، لمولانا: محمد بن فرامرز، الشهير: بملا خسرو، المتوفى سنة (٨٨٥ هـ).
اشتملت على: مقدمة، ومقصد، وفصل، وتذنيب.
ذهب مذهبًا في الولاء خرَّجه من أقوال الفقهاء، وخالف فيه سائر العلماء، وقرره في غرره ودرره، ورتب رسالة في تحقيقه.
وكتب في ردها: رسالة للمولى: أحمد بن إسماعيل الكوراني المفتي ...
أولها: الحمد لله الذي من أراد به خيرًا فقهه في الدين ...
٣ - الشافعية في علم العروض والقافية:
ألفها للسلطان محمد بن السلطان مراد خان، وهي قصيدة في علم العروض، في ست مئة بيت، أولها:
بحَمْدِ إلهِ الخَلْق ذِي الطَّوْلِ والبِرِّ ... بَدَأتُ بنظمٍ طَيُّه عَبَقُ النَّشْرِ
1 / 10
وثنَّيْتُ حَمْدِي بالصَّلاة لأحْمَدٍ ... أبِي القاسم المحْمُودِ في كُرْبَةِ الحَشْرِ
صَلاةً تعُمُّ الآلَ والشِّيَعَ الَّتِي ... حَمَوْا وَجْهَهُ يَوْمَ الكَرِيهَةِ بالنَّصْرِ
٤ - العبقري: تعليقة على حرز الأماني للشاطبي.
٥ - غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني:
قال حاجي خليفة في كشف الظنون:
أورد فيه مؤاخذات كثيرة، على العلامتين الزمخشري والبيضاوي، رحمهما الله تعالى.
أوله: الحمد لله المتوحد بالإعجاز في النظام ... إلخ.
فرغ من تأليفه: في ثالث رجب، سنة (٨٦٧ هـ).
٦ - كشف الأسرار عن قراءة أئمة الإعصار:
في شرح منظومة الجزري.
قال حاجي خليفة في كشف الظنون:
وهو: شرح على نظم الجزري، وهو نظم في غاية الإشكال، أوله:
بدأت بحمد الله نظمي أولًا.
يشتمل على:
قراءة ابن محيصن، والأعمش، والحسن البصري، وهو زيادة على العشر وأول الشرح: الحمد لله الذي جعل حملة كتابه مع السفرة الكرام ... إلخ.
فرغ منه في ربيع الأول، سنة (٨٩٠ هـ).
وأبياته أربعة وخمسون.
٧ - المرشح شرح الكافية لإبن الحاجب في النحو:
قال حاجي خليفة في كشف الظنون:
سماها: المرشح.
أولها: الحمد لله الذي رفع بناء العربية بأدلة وحجج ... إلخ.
كتبها سنة (٨٨٩ هـ).
٨ - الكوثر الجاري على رياض البخاري: وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
وهو شرح الجامع الصحيح في مجلدات.
قال حاجي خليفة في كشف الظنون:
1 / 11
وشرح المولى الفاضل: أحمد بن إسماعيل بن محمد الكوراني الحنفي، المتوفى سنة (٨٩٣ هـ)، ثلاث وتسعين وثمانمائة.
وهو شرح متوسط، أوله: الحمد لله الذي أوقد من مشكاة الشهادة ... إلخ.
وسماه: (الكوثر الجاري على رياض البخاري).
ردَّ في كثير من المواضع على الكرماني وابن حجر، وبيَّن مشكل اللغات، وضبط أسماء الرواة في موضع الالتباس، وذكر قبل الشروع سيرة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - إجمالًا، ومناقب المصنف، وتصنيفه.
وفرغ منه في جمادى الأولى، سنة (٨٧٤ هـ)، أربع وسبعين وثمان مئة بأدرنة.
٥ - وفاته:
توفي سنة (٨٩٣ هـ)، بمدينة قسطنطينية، ودفن بها، وكان له جنازة حافلة، حضرها السلطان فمن دونه، وكثر البكاء عليه، وتأسف الناس على فراقه، -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.
٦ - شعر من نظمه:
ومن نظمه قصيدة يمدح فيها النبي ﷺ، منها:
لقد جَادَ شِعْري في ثَناكَ فَصَاحةً ... وكيف وقد جادَتْ به ألْسُنُ الصَّخْرِ
لَئِنْ كان كعبٌ قد أصابَ بِمِدْحَةٍ ... يَمَانِيَّةٍ تزْهُو على التِّبْرِ في القَدْرِ
فلِي أمَلٌ يَا أجْوَدَ النَّاس بالْعَطَا ... ويَا عِصمَةَ العَاصِينَ في رَبْعة الحَشْرِ
شَفاعَتُك العُظمَى تَعُمُّ جَرَائمِي ... إذا جئتُ صِفْرَ الكفِّ مُحتَمِلَ الوِزْرِ
مصادر ترجمته:
الشقائق النعمانية لطاشكبرى زاده ص ٥١.
الضوء اللامع للسخاوي ١/ ٢٤١، ١٢/ ٢٢٤.
نظم العقيان للسيوطي ص ٣٨.
هدية العارفين للباباني ١/ ١٣٥.
الأعلام للزركلي ١/ ٩٨.
إيضاح المكنون لإسماعيل باشا البغدادي ٢/ ٩٢.
كشف الظنون لحاجي خليفة ١/ ٥٥٢، ٥٩٦، ٦٤٧، ٨٩٩، و٢/ ١٠٢٢، ١١٩٠، ١٣٧٠، ١٤٨٦.
1 / 12
عملنا في الكتاب
- قمنا بنسخ المخطوط وفق القواعد الإملائية الحديثة.
- قابلنا المنسوخ على المخطوط وضبطه.
- وضعنا علامات الترقيم المناسبة.
- قمنا بتشكيل الكلمات المشكلة بحسب الضرورة، وذلك لعدم وقوع اللبس عند قراءتها.
- قسمنا النص إلى فقرات مناسبة.
- وضعنا أرقام المخطوط ضمن النص، بذكر رقم اللوحة، ثم وجهها الذي رمزت له ب: (أ)، و(ب)، فيكون الرقم مثلًا هكذا: [٥/ أ]، و[٥/ ب]، وقد وضعت أرقام المخطوط عند بداية كل لوحة.
- وضعنا متن البخاري في الشرح بين قوسين، هكذا ()، وجعلته بخط أسود غامق، وذلك ليتميز عن الشرح.
- ذكرنا أرقام الأحاديث عند بداية شرح كل حديث.
- عند نقل المؤلف من كتاب آخر ربما ترك كلمة، أو غَيَّر أخرى، فإن صح المعنى ولم تكن العبارة ركيكة تركناها كما هي، وإلا وضعت النقص بين معكوفتين []، أو نوَّهت على التغيير في حاشية.
- عند ذكر اسم الراوي ربما يكون يقع في سهو، أو غلط، ولعل ذلك يكون من بعض النُّساخ، فقمت بضبط الاسم، والتنويه على ذلك في حاشية، مع ذكر مراجع الاسم الصحيح في كتب الشروح والرجال.
- استدركت بعض الكلمات الساقطة في الأحاديث المشروحة، ووضعتها بين معكوفتين، وربما نوَّهت على ذلك بحاشية إن اقتضت الضرورة.
- في بعض الأماكن يوجد كلام مطموس، أو غير واضح، فإن تبين لي ذكرته ونوهت على ذلك بحاشية، وإلا تركت مكانه فارغًا.
- ذكرت ما وجد على هامش الكتاب من تعليقات.
- عند ضبط المؤلف ﵀ للاسم بقوله: بكسر كذا، أو بضم كذا ... قد يقع بعض
1 / 13
السهو، ولربما كان ذلك من الناسخ، صححنا الكلمة، ونوهنا على ذلك بحاشية.
- خرَّجنا الآيات القرآنية، بذكر اسم السورة ورقم الآية ضمن النص، وجعلناها بين معكوفتين، هكذا: [البقرة: ٢٥].
- خرجنا الأحاديث التي استشهد بها المؤلف ﵀ بذكر تخريجه في حاشية، وذلك بذكر الكتاب والباب والرقم إن كان في الكتب التسعة، وإلا ذكرت رقم الجزء والصفحة ورقم الحديث إن وجد.
- لم نهتم كثيرًا بتخريج الروايات التي يذكرها المؤلف عندما يعدد روايات ألفاظ البخاري.
- إن ذكر المؤلف حديثًا بالمعنى، أو اكتفى بالإشارة إليه، ذكرنا نص الحديث عند تخريجه في الحاشية.
- كثيرًا ما يذكر المؤلف ﵀ أن هذا الحديث قد تقدم شرحه في باب كذا، أو كتاب كذا، فكنا نذكر ذلك في حاشية، بقولنا: تقدم في كتاب كذا ...
فإن ذكر أنه تقدم في باب كذا، من كتاب كذا، ذكرنا أنه تقدم برقم كذا، بذكر الرقم فقط.
- كثيرًا ما يذكر المؤلف ﵀ أن هذا الحديث سيأتي شرحه في باب كذا، أو كتاب كذا، فكنا نذكر ذلك في حاشية، بقولنا: سيأتي في كتاب كذا ...
فإن ذكر أنه سيأتي في باب كذا، من كتاب كذا، ذكرنا أنه سيأتي برقم كذا، بذكر الرقم فقط.
- ذكرنا شرح بعض الكلمات، وذلك إذا دعت الضرورة لذلك.
- خرجنا الأبيات الشعرية، مع ذكر بحرها ما أمكن.
- خرجنا الأمثال المذكورة في المخطوط مع شرحها ما أمكن.
- وضعنا متن البخاري مشكولًا في أعلى الصفحة، ومرَقَّمًا وفق ترقيم فتح الباري (فؤاد عبد الباقي).
- ذكرنا عند كل حديث في المتن مواضع تكراره في صحيح البخاري، بذكر رقم المكررات.
- خرجنا أحاديث متن البخاري، وجعلتها بأرقام متسلسلة، كما هي مرقمة في متن البخاري الموجود في أعلى الصفحة.
1 / 14
ولهذا أخي القارئ إن وجدت في حاشيةٍ ما: انظر التخريج السابق، فأقصد بذلك تخريجات الشرح وليس تخريجات متن البخاري المتسلسلة.
- وضعت ترجمة للمؤلف في أول الكتاب، بذكر اسمه ونسبه، وولادته، وحياته العلمية والدعوية، وذكر تصانيفه، ووفاته، وشيء من نظمه، مع مصادر ترجمته.
1 / 15
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مقدمة المؤلف]
الحمد لله الذي أوقد من مشكاة النبوة مصابيحَ الشريعة الغرّاء، فأخمَدَ بها نيران الشرك، وأزهق الملة العوجاء، وأوضحَ سنن الملة الحنفية السمحاء بأنوار السنن الزهراء، فأصبح وجهُ الدين قمرَ الصيف في ليالي الشتاء.
أحمُدُه على ما فصَّل لنا مُجمَل الكتاب بمحكم السنن، ومنَّ علينا بذلك، فَيَا لها منّةٌ بين مِنَن، وأشكرُهُ على أسبغِ آلائه وأجزل عطائه؛ محمدِ المنعوت في التوراة والإنجيل.
بشرى المسيح ودعوة الخليل، طه وياسين حبيب ربّ العالمين، عليه من الصلوات ما يليقُ بشريف رتبته، وعلى شيعته وأسرته الذين فازوا بشرف صحبته من المهاجرين والأنصار، لا سيما الأخْتَانُ والأصهار، وعلى من اقتفى أثره ممن نقل لنا آثارَهُ وسِيَره، اللهم احشرنا في زُمرتهم، وإن لم نكن من عِدَّتهم.
وبعدُ:
فإن العلم في الجملة أشرفُ الصنائع، وأنفس البضائع، لكن فنونَه تفاوت تفاوُتَ الأرض والسموات، وعلمُ الحديث من بينها في أسنى المراتب وأعلى المقامات، كيف لا وهو حليةُ أكمل موجود على الإطلاق، وأفضلُ مبعوث بالاتفاق، فمن سَمتْ به همتُه، وأرتعت به قرونته إلى أن تحلّى بتلك الحِلَى، وتجرَّع في تحصيلها طعم الألا، فيا له من رجل يفرّض في شأنه الجسد لاعتلائه غاربَ المجد، وبلوغه غاية الأمد، إن بارز الأقران فحُجتُه قويةٌ، أو قارن الإخوان فأحسنُهم طويةً، يَرْشَحُ ظاهره بما حَوَاهُ الباطنُ، سيّان عنده المتحرك والساكنُ، نعم هو الوارثُ من أفضل الرسلِ أفضلَ الفضائل، ولذا كان في الناس كالنبي في بني إسرائيل، ولولا استيلاءُ الجهل والحُمْق لسُطِّر بالتبر على الحدق، فكان خير
1 / 19
القرون له أنصارًا وأعوانًا، ولخرائد أبكاره أخدانًا وخِلَّانًا، حَمَوا حِمَى حريمه عن أبصار الخائنين، وجَلَوا عن مرآة جماله صَدَى أنفاس المبطلين، حتى تمشّى في حُلَلَهِ وتفجّر، وتضوَّع الكونُ من نشره وتعطّر.
واقتفى أثرَهم قدوتُنا من المجتهدين، وثقاتُنا من صفو شريعة سيد المرسلين، تعبَّدوا بروايته، وتقرَّبوا إلى الله بدرايته، يستنزلون به البركات، ويستترون بستره عن الآفات، يَعُدُّونه أفضلَ الطاعات والقُرَب، وأوضحَ الوشائج والنسب، يجتمعُ في مجلسٍ من مجالسه أُمَمٌ كثيرون؛ مئة ألف أو يزيدون، ثم انهدمتْ أعالي ذلك البنيان، وكبُر من أوج ذلك الكمال إلى حضيض النقصان، إلى أن لم يبقَ له رسمٌ ولا أثر، بل لا يُسمع له باسم ولا خبر، فقل: إنا بذلك لمحزونون، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم إني مذ نشأتُ يافعًا، كنتُ لآياته تاليًا وسامعًا، طُفْتُ في طلبه أعاظمَ البلاد، وفُزْتُ من حملته بنقية الأطواد، المشار إليهم بالبنان، المذكورين في كل قُطر بكل لسان، إليهم تُضْرَبُ أكباد الإبل من كل فجٍّ عميق، وتقطع الفيافي من كل مرمى سحيق، سُقيت من ذلك المنهلِ العذب طافحة، فاستوى عندي الخاتمة والفاتحة، ولم يزل يجول في خلدي الجَوَلان في حَلْبة رهانهم، واختيار جواد الفكر في ميدانهم، لعل أن يُكتَب اسمي في ديوانهم، وإن لم أكن واحدًا منهم؛ فإن مولى القوم منهم.
إلا أن هذا الخوف والزمان الحَرون، كما هو دأبُهُ مع أبناء الفضائل من الأواخر والأوائل كان جامحًا لي في الآفاق والأقطار، نازحًا بي في الأرجاء والأمصار، كأنما أنا من حِلٍّ ومرتحلٍ مُوَكّل بفضاء الأرض أَذْرَعُه.
وكنتُ في تلك الرحلات وبين هاتيك النَّقلات، أدفعُ الهمومَ، وأصرف الغموم بصرف الفكر إلى الغوص بفرائد كلام الله المجيد، النازل إلى خير الخلق واسطةِ العِقْد الفريد، ولمّا وفّق الله لإكمال ذلك، واقتبس بقدر الفكر ما هنالك، وجُليت تلك الخرائد على منصات الظهور، وأفلت حياء منها الكواكب والبدور، وكتب بالتبر في الأوراق، وأضاءت بنورها الأقطار والآفاق، كيف لا وهو "غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني" والاسمُ عين المسمى، والألقاب تنزل من السماء، فانتهزتُ الفرصة، وانحدر ما كنت شَرِقْتُ به من غَصَّة، فقلت بنقد العمر: لأي خريدة أشمخ، ولأي طريدة أسعى ولستُ من تداعي الأَجَل في أمان، أسمَعُ كلَّ يوم: مات فلان ابنُ فلان من الإخوان، واندرج أجلاء الأخلّاء والأقران، فأُلْهِمْتُ أن الله يُحب عوالي الهمم، ويكره سَفْسَاف الشِّيم، عليك بسيد الكتب بعد كتاب الله، وإذا عزمتَ فتوكل على الله، وهو: (الجامع الصحيح) للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري تغمّده الله بالرحمة والرضوان، وأسكنه أعلى الفردوس في
1 / 20
الجنان؛ إذ هو الذي ملأ الخافقين، ولم يخلُ عنه مكانٌ بين المَشْرقين.
وقد شرحه أولو الفضائل من الأواخر والأوائل، وكنتُ إذا نظرتُ في تلك الشروح اعتراني القُرُوح والجروح؛ وذلك أن منها ما يطنب في التواريخ والأسماء، ولعمري ذلك قليلُ الجدوى؛ إذ موضوعُ ذلك علمٌ آخر، ومنها ما يحومُ حول المرام إلا أن مؤلفه لم يُحِطْ بطرق الأحاديث وأطراف الكلام، فيشرح السابق بما يناقض اللاحق، فعلى أي طائل يحصل من ذلك الطالب؟ أو في أي طريق يأخذ السالك الذاهب؟ بل لا يناله إلا الكَلاَل؛ إذ ليس بعد الحق إلا الضلال.
ونحن نشرحه إن شاء الله بتوفيقه، مبرزين الأسرار من كلام أفصح البشر، البالغِ كُنْهَ البلاغة من أهل الوَبَر والمَدَر، نُميط القِشْر عن اللباب، ونُميز الخطأ عن الصواب، ونشير إلى ما وقع في الشروح من الزَّلَل، وما وقع من الأقلام من الخطأ والخَطَل، نُشَيِّد أركان الحق الأبلج، ونهدم بنيان الباطل اللَّجْلَج، نُؤيّد ما احتمله لفظُ الكتاب بما ثبت في الخارج من أحاديث الباب، بعد النظر في تفاوت الروايات، وما ثَبت من زيادة الثقات في غُرَرِ ألفاظٍ سلاستُها تفوقُ سُلاَفَةَ الراح، ودُرَرِ مَعَانٍ مُبْذَلٍ لها الأرواح، بحيثُ تظهر الشمس لذي العينين، ولا يبقى في الكلام مجالُ القولين، ونأخذ في الحذ الأوسط والاقتصاد، لا تفريط ولا إفراط، نذكُرُ وجوه اللغة على أحسن الوجوه، فإنها قوالبُ المعاني، ونضبط أسماء الرواة في موضع الالتباس، ونشير إلى نُكَتٍ من غرائب أخبارهم على وجه الاختصار؛ لأنه ليس من أغراض شرح الكتاب، ولعلي آنسُ من جانب الطور نارًا، أن يَذْكُرني بصالح دعائه، ولا يَظُنَّ بنا أخو الجهالة أنّا في الردّ راكبين مطية الهوى في شرح كلامِ مَن لا ينطق عن الهوى، كلا، وكيف يُعقل ذلك ونحن نرجو شفاعته؟ وبما نعاينه التقرّب إليه وطاعته؟ بل نلاحظ في كل مقامٍ ما هو غرضُه من الخِطاب، ولا نَخُطُّ إلا ما نعتقدُ أنه عين الصواب، واللهُ يعلم السرائرَ والمُطّلِعُ على ما في الصدور من الضمائر، وسميته بـ "الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري". وقبل الشروع في المقاصد أُشرِّف صَدْرَه بشريف نسب سيد الرسل:
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وكم أبٍ قد عَلاَ بابنٍ له شَرَفًا ... كما عَلَتْ برسول الله عدنانُ
1 / 21
نسبُه الشريفُ إلى عدنان متواترٌ، ومنه إلى آدمَ فيه اضطرابٌ وقد قال رسول الله ﷺ: "كَذَبَ النسّابون". ويقول الله تعالى: ﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٨] فأعرضنا عنه.
هذا، ومولده عامَ الفيل بعد إهلاك أصحاب الفيل بسبعة أيام، وقيل: بخمسين يومًا، وقيل غيرُ ذلك.
وقال الحاكم: وُلد يوم الإثنين، وخَرَج من مكة يوم الإثنين، ودَخَل المدينةَ يوم الإثنين، وانتقل إلى جوار الله يوم الإثنين وعُمرُهُ ثلاث وستون سنةً، وقيل: ستون.
وعن ابن عباس: خمسٌ وستون. رواهما مسلم (٢). وأنكرَ عروةُ روايةَ ابن عباس.
وقال: كان صبيًّا لم يدرك أوائلَ النبوة.
قلتُ: وهذا القول من عروةَ منكَرٌ؛ كيف وابنُ عباسٍ هو الملقب بالحبر والبحر.
قال الإمام أحمد: أكثرُ الصحابة في الفتوى ابنُ عباس، وهو أفضلُ العبادلة. والجواب عن الإشكال: هو أن عمره ثلاثٌ وستون تحقيقًا. ومَنْ قال: خمسٌ وستون. عَدَّ منها سنة الولادة والوفاة. ومَنْ قال: ستون حَذَف الكَسْرَ، واقتصَرَ على العُقُود كما هو دأب العرب.
وأما بدء رسالته فاتفقوا على أنه بُعث على رأس أربعين سنةً؛ فأقام بمكة ثلاثَ عَشْرة سنةً، وبالمدينة عَشْرًا.
هذا: وأما مؤلف الكتاب أبو عبد الله محمدُ بن إسماعيل بن إبراهيم بن بَرْدِزبة -بفتح الباء وسكون الراء المهملة ودال مكسورة بعدها زاي معجمة بعدها باء موحدة- الجُعْفي، أسلم جَدّه المغيرة على يد اليمان الجعفي.
قال الجوهري: نسبه إلى جُعْف بن سعد العشيرة أبو قبيلة باليمن. قال ابن الصلاح: وُلد أبو عبد الله يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عَشْرة خَلَت من شوال سنة أربع وتسعين ومئة، ومات بخَرْتَنْك -بخاء معجمة وراءٍ مهملة بعدها مثناة فوقُ بعدها نون ساكنة- قريةٌ من قرى سمرقند، ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومئتين، وعمره اثنان وستون سنةَ إلا ثلاثةَ عَشْر يومًا.
نقَلَ العراقي أنه قال: أحفظُ مئةَ ألف حديث صحيح.
1 / 22
ونُقل عنه أنه قال: خرّجْتُ هذا الكتابَ من زهاء ستمئة ألف حديثٍ. قيل: لم يَضَعْ في كتابه حديثًا إلا اغتسَلَ قبله وصلى ركعتين، وكان الاغتسالُ بماء زمزم، والصلاة خلف المقام.
ونَقَل الغساني بسنده إلى عبد الواحد بن آدم الطواوسي أنه قال: رأيت رسول الله ﷺ واقفًا ومعه جماعةٌ من أصحابه، فسلمتُ عليه، فردَّ عليَّ السلامَ، فقلتُ: ما وقوفُك يا رسول الله ﷺ؟ فقال أنتظرُ محمد بن إسماعيل. فلما كان بعد أيامٍ بَلَغنا أنه كان قد مات في تلك الساعة التي رأيتُ رسول الله ﷺ واقفًا فيها.
ومناقبهُ من حُسن الأخلاق والتقوى لا تُعَدُّ ولا تُحصَى ﵁.
واتفقوا على أن كتابه أصحُّ كتابٍ بعد كتاب الله، إلا ما نُقل عن بعض المغاربة وأبي علي النيسابوري من تفضيل كتاب مسلم عليه.
قال ابن الصلاح: إن أرادوا حُسْن السياق وعدمَ امتزاج الحديث بغيره فلا بأس بهذا القول؛ وذلك أن كتاب البخاري فيه من التراجم والتعليقات ومذاهبِ الفقهاء شيء كثير. وإن أرادوا ما يرجع إلى الصحة فهو مردود. كيف لا والبخاري يَشْرِطُ في الرواية ملاقاةَ المروي عنه، ومسلمٌ يكتفي بالمعاصرة، كما صرَّح به في مقدمة كتابه.
قال ابن الصلاح: وأما عدد أحاديث البخاري فسبعةُ آلافٍ ومئتان وخمسة وسبعون حديثًا، وبإسقاط المكرر أربعة آلافٍ.
وقال العراقي: هذا في رواية الفِرَبْرِي. وفي رواية حمَّاد بن شاكر دُونَها بمئتي حديث، ودون رواية حمادٍ روايةُ إبراهيم بن معقل بمئة حديثٍ.
وقال شيخنا شيخُ الإسلام أبو الفضل بنُ حجر: أحاديثه سبعةُ آلاف وثلاثُمئةٍ وسبعون حديثًا، وما فيه من المتون الموصولة بلا تكرارٍ ألفا حديثٍ وأربع مئةِ وستون وأربعة أحاديث.
وأما التعاليق فألفٌ وثلاثمئةٍ وواحد وأربعون والمتابعات على اختلاف الروايات ثلاثمئةٍ وأربعةٌ وأربعون.
هذا، وصحيح مسلم أربعةُ آلافِ حديث من غير تكرار، ومع التكرار اثنا عشر ألف حديث. وسنن أبي داود: أربعةُ آلاف وستمئة حديث. وابن ماجه: أربعةُ آلافٍ. فإن قلتَ: هل لما يقال: إن البخاري لم يرو في كتابه إلا حديثًا له راويان منه إلى رسول الله ﷺ أصلٌ؟ قلتُ: ذكره القاضي أبو بكر بن المغربي في شرحه. ورُدَّ عليه بحديث: "إنما الأعمال
1 / 23
بالنيات"؛ فإنه لم يَرْوه عن رسول الله ﷺ إلا عمرُ. فأجاب بأن عُمر خَطَب بالحديث على المنبر، فلو لم يكن الصحابة عارفين به لَرَدُّوا عليه، وهذا مع ظهور فساده لو سُلِّم له في عُمر لا يُجْدِيْهِ نفعًا؛ لأنه لم يروه عن عمر إلا علقمةُ، ولا عن علقمةَ إلا محمدُ بن إبراهيم، ولا عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد.
فإن قلتَ: ما موضوع علم الحديث؛ فإن تمايُزَ العلوم إنما يكون بتمايُز الموضوعات. فإن علم الفقه إنما امتاز عن علم أصوله: بأن هذا يَبحث عن أفعال المكلفين من حيثُ تصحّ وتفسُد، وذلك يُبحثُ عن الأدلة الموصلة إليه إجمالًا؟ قلت: ذكروا أن موضوعه ذاتُ رسول الله ﷺ من حيث إنه رسولٌ. وهذا غلطٌ؛ إذ لا بحث في علم الحديث عما يَلْحَقُ ذاتَ رسول الله ﷺ بل عما يَلْحق أقوالَهُ وأفعالَهُ من الاصال والانقطاع، والوقف والرفع وغير ذلك.
ألاَ ترى أنهم يقولون: الحديث الصحيح ما رواه عَدْلٌ ضابطٌ عن عدل ضابط إلى منتهاه، ثم يقولون: حديث: "إنما الأعمال بالنيات" صحيحٌ؛ لأنه داخلٌ تحت ذلك القانون؟. وهذا كتراكيب القرآن لعلم القراءة، وتراكيب البُلَغاء لعلم البلاغة؛ إذ لا يقول أحدٌ بأن موضوعَ علم القراءة ذاتُ الله، ولا إن موضوع علم البلاغة ذاتُ امرئ القيس وغيره من العرب العَرْباء. وليس ما في البخاري ومسلم من متون الأحاديث من علم الحديث في شيء، بل هو كالقرآن في المصاحف، غيرَ أنه مسنَدٌ لعدم تواتره، بخلاف القرآن.
وللعلماء في علم الحديث كتبٌ مُدَوَّنةٌ؛ منها: كتابُ ابن الصلاح، وألفيةُ العراقي وغيرها.
واعلم أن لي برواية الكتاب أسانيدَ كثيرةً من فضل الله أتقنها ما أخبرنا به شيخُنا أبو الفضل بنُ حجر بالديار المصرية سنة خمسٍ وثلاثين وثمانمئة بقراءتي عليه إلى (بَدْء الخلق) وأجاز بالباقي.
قال: أخبرنا السيد عفيف الدين أبو محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري ثم المكي بها قراءة عليه، ونحن نسمَعُ، وأجازه بما فاتني منه.
قال: أخبرنا بجميعه الإمامُ رضي الدين إبراهيمُ بن محمد بن أبي بكر الطبري إمامُ المقام.
1 / 24
قال: أخبرنا أبو محمد عبدُ الرحمن بن أبي حرمي سماعًا عليه إلا لفوت يسير من أثنائه فأجازه.
قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن حُميد -بضم الحاء مُصَغَّر- ابن عمار الطرابلسي، قال: أخبرنا الشيخُ أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر، قال: أخبرنا أبو ذر الحافظ عبدُ بن أحمد الهروي نزيل مكة.
قال: أخبرنا المشايخ الثلاثة أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي، وأبو عبد الله محمد بن حموية السرجي، وأبو الهيثم محمد المكي الكُشْمَهِيْنِي.
قال الثلاثة: أخبرنا أبو عبد الله محمد بنُ يوسف بن مطر الفِرَبْرِي.
قال: أخبرنا محمدُ بن إسماعيل البخاري:
1 / 25