4
كذلك الحال أيضا بالنسبة للفلاسفة الذين لا يقبلون إلا مادة وحيدة لجميع العناصر؛ فإن شأنهم لا يخلو من الحيرة في إيضاح كيف أن جوهرا يمكن أن يتألف من عنصرين مثلا من الحار والبارد أو من النار والأرض؛ فإذا كان اللحم يتكون من الاثنين وهو ليس مع ذلك لا أحدهما ولا الآخر ولا مجرد جمع لهذين العنصرين حافظ لطبعهما الخاص؛ فماذا يبقى إذن ليقبل إلا أن يكون المركب الذي تكون منهما بهذه الطريقة هو المادة المحضة؟ لأن فساد أحد العنصرين يكون إما العنصر الآخر وإما المادة.
5
ولكن من حيث إن الحار والبارد يمكن أن يكونا أقوى أو أضعف، فيجب أن يقال إنه متى كان أحدهما بالفعل مطلقا وبالكمال فلا يكون الثاني بعد إلا بالقوة. ومتى كان الموضوع ليس له مطلقا أحد الكيفين وكان البارد مثلا هو نصف حار والحار نصف بارد؛ لأن الإفراطين إلى جهة أو إلى أخرى يتماحيان على طريق التكافؤ بالمزج؛ فحينئذ لا يوجد بالضبط لا مادة محضة ولا واحد أو الآخر من هذين الضدين الموجودين مطلقا بالفعل وبالكمال، ولا يوجد وسيط. ولكن على حسب ما أن أحد الاثنين يمكن أن يكون بالقوة حارا أكثر منه باردا أو العكس، يكون الجسم في هذه النسبة عينها بالقوة أكثر حرارة أو برودة مرتين أو ثلاث مرات أو على أية نسبة أخرى.
6
على ذلك كل الأشياء الأخرى تأتي من مزج الأضداد أو العناصر، والعناصر أنفسها تأتي من هذه الأضداد التي هي بوجه ما العناصر بالقوة لا كما تكونه المادة، بل بالطريقة التي ذكرت آنفا، وبهذه الطريقة تكون النتيجة التي تتحصل مزيجا، في حين أنها بالطريقة الأخرى إنما هي المادة المحضة.
7
ومع ذلك فإن الأضداد أيضا هي قابلة على معنى الحد الذي أعطي في بحوثنا الأولى. مثال ذلك الحار بالفعل هو بارد بالقوة والبارد بالفعل هو حار بالقوة أيضا، بحيث إنهما لولا موازنة تامة لتغير أحدهما إلى الآخر. ويجري هذا المجرى في جميع الأضداد الأخرى التي يراد ذكرها. وعلى هذا النحو إن العناصر بديا تتغير، ثم إن منها بعد ذلك تأتي اللحوم والعظام وسائر الجواهر المشابهة، فيصير الحار باردا والبارد حارا بمقدار ما تقترب من الحد الوسط؛ فهناك لا يوجد بعد لا أحد الضدين ولا الآخر. فالوسط متعدد وليس قابلا للتجزئة. كذلك الأمر أيضا في السائل واليابس، وإن العناصر الأخرى من هذا القبيل حينما تكون قد وصلت إلى الوسط تكون اللحم والعظام والجواهر المشار إليها.
8
هوامش
অজানা পৃষ্ঠা