11
هذا إذن هو فرق أول في التعبير يمكن تقريره بين الكون والفساد المطلقين وبين الكون والفساد اللذين ليسا مطلقين، وفرق آخر يمكن أن يميزها وهو المادة التي يحصلان فيها أيا كانت هذه المادة، فالتي تدل فصولها دلالة أكثر على هذه الحقيقة بعينها أو تلك هي أيضا أدخل في الجوهرية، والتي تدل فصولها دلالة أكثر على العدم هي أدخل في اللاموجود؛ وعلى ذلك فالحرارة مقولة ما ونوع حقيقي، وعلى الضد البرودة فإنها ليست إلا عدما. وبهذه الفصول بعينها تتميز الأرض والنار.
12
عند العامي، إنما يقرر الفرق على الأخص بين الكون وبين الفساد هو أن الواحد مدرك بالحواس وأن الآخر ليس كذلك؛ فمتى وجد تغير في مادة محسوسة قال العامي إن الشيء يولد ويكون كما يقول إنه يموت ويفسد حينما يتغير إلى مادة غير مرئية؛ ذلك بأن الناس يعرفون على العموم الوجود واللاوجود تبعا لما إذا كانوا يحسون الشيء أو لا يحسونه، كما أنهم يعتبرون الموجود ما يعرفونه واللاموجود ما يجهلونه؛ فحينئذ، الحس هو الذي يؤدي وظيفة العلم، وكما أن الناس لا يدركون حقيقة حياتهم وكونهم إلا لأنهم يحسون أو يمكنهم أن يحسوا، كذلك أيضا إدراكهم لوجود الأشياء؛ إذ يبحثون عن حقيقتها وما هم بواجديها فيما يقولون.
13
ذلك أن الكون والفساد المطلقين هما متغايران تماما تبعا لاعتبارهما على حسب الرأي العامي أو لاعتبارهما في حقيقتهما الواقعية. إذن الهواء والريح أقل من سواهما في مراتب الوجود من حيث كونهما جسمين إذا كان المرجع في ذلك إلى مجرد شهادة الحواس. ومن أجل ذلك يظن أن الأشياء التي فسدت مطلقا تفسد بالتحول إلى هذين العنصرين في حين أنه يعتقد أن الأشياء تولد وتكون متى تحولت إلى بعض عناصر يمكن لمسها؛ أي إلى أرض مثلا، ولكن في الحق ذانكم العنصران هما جوهر ونوع أكثر من الأرض نفسها.
14
إذن قد وضح ما يدل على أنه يوجد الكون المطلق من حيث كونه فسادا لشيء، والفساد المطلق من حيث كونه كونا لشيء أيضا. وهذا يتعلق - في الواقع - بأن المادة مختلفة؛ إما لأن الواحدة جوهر في حين أن الأخرى ليست جوهرا، وإما لأن الواحدة هي أكثر وأن الأخرى أقل، وإما لأن المادة التي يأتي منها الشيء والتي يذهب إليها هي أقل أو أكثر حسية. ويقال على الأشياء تارة إنها تولد وتصير بالإطلاق، وتارة يقال بالتعيين إنها تصير هذا الشيء بعينه أو ذاك من غير أن يأتي واحد من الآخر بالتكافؤ على النحو الذي نعنيه ها هنا. ونحن نقتصر في الواقع الآن على إيضاح لماذا - ما دام أن كل كون هو فساد لشيء آخر وأن كل فساد هو كون لشيء آخر أيضا - نحن لا نسند على هذا الوجه عينه الكون والفساد إلى الأشياء التي تتغير بعضها في البعض الآخر.
15
على أن هذا لا يحل المسألة التي كنا وضعناها لأنفسنا حلا نهائيا. بل هو يوضح لماذا يقال عن واحد يتعلم إنه يصير عالما لا إنه يصير مطلقا، في حين أنه بالنسبة لشيء ينشأ طبيعة يقال بطريقة عامة إنه يولد ويصير. تلك هي التعايين؛ أي المقولات المختلفة التي بعضها يدل على الموجود الحقيقي والجزئي والآخر يدل على الكيف والآخر على الكم؛ وبالتالي لا يقال ألبتة على كل الأشياء التي لا تدل على جوهر إنها تصير بطريقة مطلقة، بل إنها تصير كذا أو كذا من الأشياء؛ ومع ذلك فإن الكون في كل الأحوال على السواء لا ينطبق انطباقا صريحا إلا على الأشياء الداخلة في إحدى المجموعتين. مثلا في مقولة الجوهر يقال إن الشيء يصير إذا تكون نارا، ولا يقال ذلك إذا كان الذي يكون هو أرضا. وفي مقولة الكيف يقال عن الشيء إنه يصير إذا صار الكائن عالما لا إذا صار جاهلا.
অজানা পৃষ্ঠা