============================================================
وخرج إلى بلاد الشام بعد ما فتحت، وهو خليفة، فأتوا مخاضة فنزل عن ناقته، وجعل خفيه على عاتقه، وأخذ بزمامها، فخاض، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين، تفعل هذا؟1 ما يسرني ان أهل الشام استشرفوك (1). فقال: أؤه، لو يقول ذا غيرك ابا عبيدة جعلته نكالا(2) للأمة؛ إنا كتا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا به أذلنا .
ونظر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدؤة وقال : لا تمث علينا ديننا أماتك الله .
وكان يتعاهذ العميان والزفنى والعجائز والصبيان ليلا ، ويحمل إليهم الماء والحطب بنفسه، ويخرج عنهم الأذى، فيقول له بعض الناس: دعني أحمل عنك . فيقول: من يحمل عني يوم القيامة ذنوبي؟ .
وكان فانيا عن الملاذ منتهيا، ولباقي المعاد مبتغيا، يلازم المشقات، ويفارق الشهوات، وقد قيل: التصوف: حمل التفس على الشدائد للري من أشرف الموارد.
وكان يأكل عام الرمادة الزيت حتى اسود جلده بعد ما كان أبيض، وحوم على نفسه اللحم والشمن واللبن، وقال : كفى بالمرء سرف(3) أن يأكل كل ما يشتهي وقال: إياك والبطنة، فإنها ثقل في الحياة ونتن في الممات .
وكان يشتهي الشيء وثمنه درهم فيؤخره سنة.
وكان إذا مر بمزبلة وقف عليها، وقال لصحبه: هذه دنياكم التي تحرصون عليها.
وأتي يوما بماء بارد بعسل، فجعل يدير الإناء في كفه، ويقول: أشربها، (1) استشرفوك: آي خرجوا إلى لقائك. وإنما قال له ذلك لأن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام ما تزيا بزي الأمراء، فخشي أن لا يستعظموه . النهاية (شرف) .
(2) جعلته نكالا: عاقبته عقابا يحذر غيره منه إذا رآه. متن اللغة (نكل).
(3) في الأصل: شرفا.
পৃষ্ঠা ৮২