لهذا لا يمكن لي الحكم عليها كقارئة، إلا أن الصراع الذي حدث لا يخلو من إيجابيات، لقد تأكد الآن أن وزارة الثقافة يجب ألا تكون هي الحكم على الأعمال الإبداعية، كما يقول الأستاذ سلامة أحمد سلامة.
لكن قانون العقوبات أيضا لا يمكن أن يكون الحكم على أعمال تتعلق بالخيال، إن مجال القانون هو الواقع وليس الخيال.
نحن في حاجة إلى قيم جديدة في تربية أولادنا وبناتنا، قيم قائمة على العدل والحرية والحب، ولا بد أن تمتد هذه القيم إلى الوزارات جميعا، وليس وزارة الثقافة وحدها، وإلى جميع المجالات السياسية والاقتصادية، وجميع الأحزاب، حكومة ومعارضة، وجميع المنظمات غير الحكومية، بحيث يصبح المناخ الثقافي الذي نعيشه صحيا، والضمير الإبداعي حيا منذ الولادة حتى الموت.
الاحتمال المفيد والاحتمال غير المفيد
منذ أكثر من عشرة أعوام دعاني الأستاذ لطفي الخولي إلى اجتماع بجريدة الأهرام، كان يعد أمامها لعقد مؤتمر أدبي كبير، ذهبت في الموعد المحدد للاجتماع فلم أجد أحدا بالحجرة، تصورت أن الاجتماع تأجل دون علمي، لكني رأيت أحد الأدباء يدخل ويؤكد لي أن الاجتماع قائم، ووصل المدعوون متأخرين أكثر من نصف ساعة، وتأخر الداعي للاجتماع نفسه الأستاذ لطفي الخولي أربعين دقيقة أو أكثر، وجلس في مقعد الرئاسة عن يمينه الأستاذ يوسف القعيد، وبين شفتي كل منهما سيجار غليظ ينفث الدخان الكثيف إلى السقف، وبدأ الأستاذ لطفي الكلام دون أن يذكر شيئا عن التأخير، ألقى كلمة طويلة استغرقت أربعين دقيقة، ثم صمت قليلا وأشعل السيجار من جديد وقال: «والآن ندخل في صلب الموضوع، وهو الإعداد للمؤتمر الأدبي الكبير، والذي نرجو منكم أن تشاركوا فيه.»
ونظرت في ساعتي، كانت الثانية عشرة وبضع دقائق، وكنت على موعد آخر ولا أريد التأخر عن موعدي، فنهضت من مقعدي، وحين رآني الأستاذ لطفي أتجه نحو باب الخروج سألني مندهشا: «رايحة فين يا دكتورة نوال؟» وقلت: «عندي موعد آخر يا أستاذ لطفي.» قال: «ألست مهتمة بهذا المؤتمر الأدبي الكبير.» فقلت: «أنا هنا منذ ساعتين ولست مسئولة عن تأخركم عن الموعد.» وخرجت من الحجرة، وبالطبع لم أشارك في المؤتمر الأدبي الكبير، فقد حذف الأستاذ لطفي اسمي من قائمة المدعويين، ومرت الأيام ربما عام أو عامان والتقيت بالأستاذ لطفي في مؤتمر دولي ثقافي في مدينة بولونيا في إيطاليا، وقال لي: «على فكرة أنا زعلت منك أوي يا دكتورة نوال، وانتي في مصر لما نقول الساعة عشرة يبقى بين الساعة حداشر، هي دي العادة في بلدنا .» وقلت: «هذه العادة لا بد أن تتغير ولا بد أن نبدأ بأنفسنا .» ورمقني الأستاذ لطفي بنظرة كأنما أنا المخطئة وهو على صواب.
هذه الحكاية تتكرر دائما، وكم فقدت من أصدقاء وصديقات بسبب هذه العادة الضارة، وهي عدم احترام الموعد، أذكر أن الأستاذ مكرم محمد رئيس تحرير المصور أعاطني موعدا، وتأخر نصف ساعة، فانصرفت، وتوقفت عن نشر أي شيء بمجلة المصور، وفي يوم أعطاني الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة موعدا وتأخر نصف ساعة فانصرفت ولم أنتظره، وكان الدكتور أحمد بدران ينتظر بمكتب الوزير أيضا وقال لي: الغايب حجته معاه، وده وزير عنده أشغال هامة. قلت: كل إنسان عنده أشغال هامة ولا بد من احترام وقت أي إنسان، خاصة من الكبار لأنهم هم النموذج لأغلب الناس.
وقد عشت في بلاد أخرى، وعرفت كيف تكون المحافظة على الموعد باعثا على الراحة والاحترام، ولا شيء يهدر كرامة الإنسان مثل إهدار وقته في الانتظار دون عمل شيء، وفي بلادنا قلما يحافظ أحد على الموعد، ومنذ أيام طلبت من أحد السباكين موعدا ليقوم ببعض أعمال السباكة العاجلة في بيتي.
وقلت له: ميعادك بكرة الساعة كام يا أسطى؟
قال: احتمال الساعة ستة.
অজানা পৃষ্ঠা