تتعدد العلاقات الجنسية في حياة الرجل منهم تحت اسم الطبيعة الذكورية والدين، رغم سخرية البطل من بعض التناقضات في القيم الدينية والسياسية التي تحكمهم، إلا أن خياله عجز عن إدراك التناقض في علاقته بالنساء، أو إدراك ما هي الطبيعة الأنوثية، فالرجل في نظره له طبيعة الإنسان الذي يفهم القضايا السياسية الكبرى، أما المرأة فهي ليست إنسانا، ولا تفهم هذه القضايا السياسية، وهي إما طفلة ملائكية لإشباع عاطفة الرجل العذرية المبتورة، أو أنثى محتقرة شيطانية متعددة العلاقات بالرجال.
حين تكبر هذه الطفلة الملائكية تصبح جسدا أنثويا ناعما أو مؤخرة حريرية وحلمة ثدي، رغم أن هذه الفتاة أمسكت السكين وكادت تقتل عمها من أجل مهدي جواد، لكن مهدي جواد لا يدرك هذا الفعل الإنساني الكبير من ناحيتها، ويظل يراها مجرد جسد أنثوي، ويدوس عند الغضب على كرامتها، ويمارس الجنس مع غيرها من النساء دون أن يشعر بالخطأ، ويتحدث عن العدالة في كل شيء إلا العدالة في علاقته الخاصة بالنساء، يعجز خياله الذكوري عن تصور علاقة عادلة ديمقراطية بين الرجل والمرأة، مع ذلك يتحدث عن غياب الديمقراطية في الدولة التي هرب منها، لا يدرك أن غياب الديمقراطية تحت قبة البرلمان ترتبط بالديمقراطية في غرفة النوم.
تمتلئ غرف نوم الرجال في الرواية بالدكتاتورية، والأحادية الفكرية، والانفصام بين الحياة العامة والحياة الخاصة، دون أن يدرك أحدهم (بما فيهم بطل الرواية) أن هذا التناقض في حياتهم ينبع من خيال ذكوري مبتور موروث منذ نشوء العبودية، أو ما يسمى النظام الطبقي الأبوي، رغم سخريتهم من الدين في حياتهم العامة، فإنهم يستخدمون الدين في حياتهم الخاصة لتبرير الازدواجية الأخلاقية في علاقتهم بالنساء.
كان مهدي جواد يحارب الاستبداد والطغيان في العراق، إلا أنه في الفراش لا يرى طغيانه، إنه ذكر متضخم الذكورة مستبد في ذكورته، سواء مع الحبيبة الصغيرة ذات الفخذين من الرخام، أو مع العشيقة الدميمة الزفرة المرذولة.
يقول البطل عن النساء كل النساء إن لا شيء يهمهن في الرجل إلا هذا (يشير إلى ذكورته) وينطق ألفاظا جارحة بالنساء، أكثر فظاظة من تلك التي يصف بها الحاكم المستبد في بلده، فهو يخاف منه رغم البعد، وهو يخاف أيضا من الله، رغم كونه في السماء البعيدة أبعد من الحاكم في العراق، أو رجال الشرطة في الجزائر، ربما لأن عقابهم أقرب إليه وأسرع من عقاب الله، إن عقاب رجال الشرطة يتجسد في البنادق والرصاص والهراوات، لكن العقاب بعد الموت لا يتجسد إلا في الخيال.
حدث مرة أن تعارك الرجال المهاجرون في ساحة بونة، اشتبكوا في معركة يضربون بعضهم البعض بالسكاكين والشوك وزجاجات البيرة، أصيب مهيار صديق مهدي جواد بجراح وهو يدافع عن مهدي في غيابه، وقال مهيار لبطل الرواية: نحن ندافع عنك في ساحة بونة ونجرح، وأنت تعانق حبيبتك آسيا الأخضر على البحر؟! يضحك مهدي جواد ويسخر من حبيبته آسيا الأخضر ومن كل النساء، يعبر عن احتقاره لعلاقة الحب وعلاقة الجنس مع الحبيبة الملائكية والعشيقة الشيطانية على حد سواء، ويقول لمهيار: وهل تركوا لنا أولاد القحبة غير ذلك؟! كلمة «ذلك» تعني العلاقة بالنساء، أما أولاد القحبة فهم أعوان الحاكم المستبد في العراق، الذين حالوا بينهم وبين النشاط السياسي المحترم، ولم يبق أمامهم إلا النشاط الجنسي مع النساء.
تمتلئ الرواية بكلمات من نوع آخر، أولاد الزواني، أولاد القحبة، يتوجه السباب في معظم الأحيان إلى المرأة القحبة أو الأم الوالدة وأعضائها، أو المرأة الزانية التي يمارسون معها الجنس في الليل ثم يلفظونها كالبصقة في النهار.
أليس هذا هو الخيال الذكوري المبتور الذي لا يرى الرجل إلا حيوانا سياسيا، أو حيوانا جنسيا، وليس له نشاط آخر في الحياة.
يقول أحدهم في الرواية عن العشيقة «فلة» التي تمارس معهم الجنس، تشبع حاجتهم وحنينهم إلى الوطن والأم، تعالج جروحهم في المعركة في ساحة بونة بالغسيل والمطهرات، تزيل عنها الصديد والدم، تسهر بجانبهم طول الليل وهم مرضى بين الحياة والموت، يدفنون رءوسهم المتعبة في صدرها الكبير الحنون كصدر الأم، لكن ما أن يتماثلوا للشفاء وينهضوا من الفراش حتى يلفظونها كالبصقة، يقولون عنها امرأة مرذولة، امرأة مبولة، وعاء لتفريغ التوتر وما هو زائد عن الجسم، يقذفون فيها كل ما تطرده أجسادهم.
يظهر واضحا في الرواية أن العلاقة الإنسانية الوحيدة هي بين الرجل والرجل، الحب الوحيد المحترم هو بين مهدي جواد وصديقه مهيار، هذا الحب أكثر عمقا وأكثر صدقا واحتراما من حبه لآسيا الأخضر، الحبيبة الملائكية!
অজানা পৃষ্ঠা