بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه العون
الْحَمد لله الَّذِي شرح صدر من أَرَادَ بِهِ خيرا للتفقه فِي الدّين، وأعز الْعلم وَرفع أَهله العاملين بِهِ الْمُتَّقِينَ، فسبحانه من إِلَه، من توكل عَلَيْهِ كَانَ من الفائزين، أَحْمَده وأشكره على نعم لَا تحصى وإياه أستعين، وأستغفره وَأَتُوب إِلَيْهِ إِنَّه يحب التوابين والمستغفرين.
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فِي الْعَالمين، وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله الْأمين، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله الطاهرين، وعَلى أَصْحَابه نُجُوم الدّين، الَّذين جاهدوا فِي الله حق جهاده وبذلوا نُفُوسهم وَأَمْوَالهمْ حَتَّى أَقَامُوا دينه وتمسكوا بحبله المتين، وعَلى تابعيهم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين، وَسلم تَسْلِيمًا.
وَبعد: فَإِن الِاشْتِغَال بِعلم الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة من أجل الْعُلُوم قدرا، وَأَعْظَمهَا فخرا، خُصُوصا علم الْحَلَال وَالْحرَام، الَّذِي بِهِ قوام الْأَنَام، لِأَنَّهُ تحصل بِهِ سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ويبلغ صَاحبه ببركته الْمَرَاتِب الفاخرة.
وَلما رَأَتْ الْكتاب الموسوم ب " أخصر المختصرات " تأليف الشَّيْخ الإِمَام والحبر الْعُمْدَة العلام، فريد عصره وزمانه، ووحيد دهره وأوانه، شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، وزين الْعلمَاء العاملين، عُمْدَة أهل التَّحْقِيق،
1 / 33
وزبدة أهل التدقيق، مُحَمَّد بن بدر الدّين بن عبد الْقَادِر بن بلبان الخزرجي القادري الْحَنْبَلِيّ - صَاحب الْفَضَائِل الجمة وَالْقدر الْعلي، أهطل الله عَلَيْهِ سحائب لطفه ورضوانه، ومتعه بلذيذ رُؤْيَته فِي أَعلَى جناته - فِي غَايَة الوقع الحميد، وَعظم النَّفْع للمريد، غير أَنه يحْتَاج إِلَى شرح يكْشف عَن وُجُوه مخدراته النقاب، يبرز مَا خَفِي من مكنوناته وَرَاء الْحجاب، فاستخرت الله ﷾ أَن أشرحه شرحا لطيفا، لَيْسَ بالطويل الممل، وَلَا بالقصير المخل، إِذْ الهمم قد قصرت، وَالرَّغْبَة فِي طلب الْعلم قد فترت.
وشمرت عَن ساعد الِاجْتِهَاد، وَطلبت مِنْهُ المعونة والسداد، وَالْهِدَايَة إِلَى سَبِيل الرشاد، وَأَسْتَغْفِر الله تَعَالَى عَمَّا يَقع لي من الْخلَل فِي بعض الْمسَائِل، فَإِن الْإِنْسَان مَحل النسْيَان، وأسال من وقف عَلَيْهِ أَن يستر زللي، فَإِن بضاعتي مزجاة وَلست من أهل هَذَا الميدان، وَلَكِن علقته لنَفْسي وَلمن شَاءَ الله تَعَالَى من بعدِي من الإخوان، وَأَعُوذ بِاللَّه من شَرّ الْحَسَد والطغيان.
وأسأله تَعَالَى أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، مُوجبا للفوز لَدَيْهِ بجنات النَّعيم، إِنَّه أكْرم الأكرمين، وأرحم الرَّاحِمِينَ، ذُو الْجُود والامتنان، وسميته: " كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات ".
وَالله المسؤول أَن ينفع بِهِ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ، وَأَن يعاملنا بمنه وفضله، إِنَّه جواد كريم، غَفُور رَحِيم.
1 / 34
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى وَعَفا عَنهُ:
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
تأسيا بِالْكتاب الْعَزِيز وَعَملا بِحَدِيث: كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أَبتر أَي ذَاهِب الْبركَة رَوَاهُ الْخَطِيب بِهَذَا اللَّفْظ فِي كِتَابه الْجَامِع والحافظ عبد الْقَادِر الرهاوي. وَالْبَاء فِي الْبَسْمَلَة للمصاحبة أَو الِاسْتِعَانَة مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف وَتَقْدِيره فعلا أولى لِأَن الأَصْل فِي الْعَمَل للأفعال. وَالله علم على الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود الْمُسْتَحق لجَمِيع المحامد المنزه عَن جَمِيع النقائص. وَقَالَ الْأَكْثَر: إِنَّه الِاسْم الْأَعْظَم.
1 / 35
والرحمن الرَّحِيم وصفان لله تَعَالَى مشتقان من الرَّحْمَة والرحمن أبلغ من الرَّحِيم لِأَن زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى غَالِبا. وَمعنى الرَّحْمَن المفيض لجلائل النعم والرحيم المفيض لدقائقها. وَمعنى ذِي بَال أَي حَال يهتم بِهِ شرعا. (الْحَمد لله) أَي الْوَصْف بالجميل الِاخْتِيَارِيّ على قصد التَّعْظِيم ثَابت لله تَعَالَى. وَالْحَمْد عرفا فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم من حَيْثُ إِنَّه منعم على الحامد وَغَيره. وَبَدَأَ بذلك لقَوْله ﷺ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أقطع وَفِي رِوَايَة بِحَمْد الله وَفِي رِوَايَة: كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم. (المفقه) أَي الْمُفْهم (من شَاءَ) أَي أَرَادَ (من خلقه) أَي مخلوقاته (فِي الدّين) وَهُوَ مَا شَرعه الله تَعَالَى من الْأَحْكَام من حرَام وحلال ومكروه ومباح ومندوب. (وَالصَّلَاة) وَهِي من الله تَعَالَى الرَّحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار وَمن غَيرهم التضرع وَالدُّعَاء. وَتجوز على غير الْأَنْبِيَاء مُنْفَردا على الصَّحِيح عندنَا نَص عَلَيْهِ قَالَه فِي شرح مُخْتَصر التَّحْرِير وَظَاهر سِيَاقه فِيهِ أَنه لَا يكره إِفْرَاد الصَّلَاة عَن السَّلَام عندنَا.
1 / 36
وَقَالَ بِوُجُوب الصَّلَاة على النَّبِي ﷺ كلما ذكر اسْمه جمَاعَة مِنْهُم ابْن بطة وَالْمُصَنّف من أَصْحَابنَا وَأَقُول كَذَا والحليمي من الشَّافِعِيَّة وَاللَّخْمِيّ من الْمَالِكِيَّة والطَّحَاوِي من الْحَنَفِيَّة. (وَالسَّلَام) مَعْطُوف على الصَّلَاة وَهُوَ التَّحِيَّة أَو السَّلامَة من النقائص والرذائل. (على نبيه) والنبيء بِالْهَمْز من النبأ وَهُوَ الْخَبَر لِأَنَّهُ مخبر عَن الله تَعَالَى. وَبلا همز - وَهُوَ الْأَكْثَر - من النُّبُوَّة وَهِي الرّفْعَة لِأَنَّهُ ﷺ مَرْفُوع الرُّتْبَة على غَيره من الْخلق أَجْمَعِينَ. (مُحَمَّد) ﷺ سمي بِهِ لِكَثْرَة خصاله الحميدة وَهُوَ بدل من نبيه أَو عطف بَيَان (الْأمين) على وَحي الله تَعَالَى (الْمُؤَيد) من أيده الله تَعَالَى أَي قواه (بكتابه) أَي كَلَامه الْمنزل المعجز بِنَفسِهِ المتعبد بتلاوته (الْمُبين) أَي الْمُشْتَمل على بَيَان مَا للنَّاس حَاجَة إِلَيْهِ فِي دينهم ودنياهم (المتمسك بحبله) أَي دين الْإِسْلَام أَو كِتَابه الْعَزِيز (المتين) أَي الشَّديد. (وعَلى آله) وهم أَتْبَاعه على دينه على الصَّحِيح وَقيل: مؤمنو بني هَاشم وَبني الْمطلب وَقيل: أَهله (وَصَحبه) جمع صَحَابِيّ وَهُوَ من صحب النَّبِي ﷺ سنة أَو شهرا أَو يَوْمًا أَو سَاعَة
1 / 37
أَو رَآهُ فَهُوَ من أَصْحَابه وَهَذَا مَذْهَب أهل الحَدِيث. وَجمع المُصَنّف بَين الْآل والصحب ردا على المبتدعة. (أَجْمَعِينَ) تَأْكِيد للآل والصحب لإِفَادَة الْإِحَاطَة والشمول. (وَبعد) يُؤْتى بهَا للانتقال من أسلوب إِلَى آخر اسْتِحْبَابا فِي الْخطب والمكاتبات؛ لِأَنَّهُ ﷺ كَانَ يَقُولهَا فِي خطبَته وَشبههَا نَقله عَنهُ خَمْسَة وَثَلَاثُونَ صحابيا. (فقد سنح) بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي عرض (بخلدي) أَي بقلبي (أَن أختصر) والاختصار هُوَ تَجْرِيد اللَّفْظ الْيَسِير من اللَّفْظ الْكثير مَعَ بَقَاء الْمَعْنى. (كتابي) وَالْكتاب مصدر كتب يكْتب كتبا وَكِتَابَة بِمَعْنى الْجمع لُغَة وَيَأْتِي تَعْرِيفه اصْطِلَاحا فِي كتاب الطَّهَارَة. (الْمُسَمّى بكافي الْمُبْتَدِي) يُشِير المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَن هَذَا الْكتاب مُخْتَصر من كتاب لَهُ مُسَمّى بكافي الْمُبْتَدِي (الْكَائِن فِي فقه) وَالْفِقْه لُغَة: الْفَهم عِنْد الْأَكْثَر وَهُوَ إِدْرَاك معنى الْكَلَام وَاصْطِلَاحا: معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الفرعية بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة. والفقيه من عرف جملَة غالبة مِنْهَا كَذَلِك. (الإِمَام) أَي الْمُقْتَدِي بِهِ (أَحْمد) رَحمَه الله تَعَالَى (بن مُحَمَّد بن حَنْبَل) الشَّيْبَانِيّ والزاهد الرباني وَالصديق الثَّانِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَجعل جنَّة الفردوس منقلبه ومثواه وَأعَاد علينا من بركاته وجمعنا بِهِ فِي دَار كرامته. ولد بِبَغْدَاد فِي ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَتُوفِّي
1 / 38
بهَا يَوْم الْجُمُعَة فِي ثَانِي عشر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَله من الْعُمر سبع وَسَبْعُونَ سنة لَا زَالَت هواطل الرَّحْمَة تفيض على ضريحه. (الصابر) على المحنة كصبر الصّديق الأول أبي بكر ﵁ مَعَ النَّبِي ﷺ (لحكم الْملك) أَي المطاع (المبدئ) أَي الْمُبْدع الفاطر لكل الكائنات (ليقرب) تَعْلِيل لأختصر (تنَاوله) أَي أَخذه (على المبتدئين) فِي الطّلب جمع مبتدئ (ويسهل حفظه على الراغبين) فِي الْعلم (ويقل حجمه) والحجم من الشَّيْء ملمسه الناتئ تَحت يدك قَالَه فِي الْقَامُوس (على الطالبين) لَهُ جمع طَالب فجزاه الله خير الْجَزَاء وأناله الدَّرَجَات العلى يَوْم الْجَزَاء. (وسميته) أَي هَذَا الْكتاب: (أخصر المختصرات لِأَنِّي لم أَقف) أَي أطلع (على (مؤلف (أخصر مِنْهُ جَامع لمسائله فِي) كتب (فقهنا من) الْكتب (المؤلفات وَالله) بِالنّصب على المفعولية قدمه لإِفَادَة الْحصْر والاهتمام. (أسأَل) أَي أطلب مِنْهُ (أَن ينفع بِهِ قارئيه) جمع قَارِئ (وحافظيه) جمع حَافظ أَي المتقن (وناظريه) جمع نَاظر أَي متأمليه. (إِنَّه) تقدست أسماؤه وَعز شَأْنه وَعظم سُلْطَانه (جدير) أَي حقيق (بإجابة الدَّعْوَات) وَلَا شكّ وَقد قَالَ تَعَالَى: ﴿أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم﴾ وَمَا أَمر بِالْمَسْأَلَة إِلَّا ليعطي. (وَالله أسأَل (أَن يَجعله خَالِصا) من الرِّيَاء والسمعة (لوجهه الْكَرِيم) وَأَن يَجعله (مقربا إِلَيْهِ فِي جنَّات النَّعيم) الْمُقِيم (وَمَا توفيقي)
1 / 39
والتوفيق خلق قدرَة الطَّاعَة فِي العَبْد مَعَ الداعية إِلَيْهَا وتسهيل سَبِيل الْخَيْر إِلَيْهِ. ولعزته لم يذكر فِي الْقُرْآن إِلَّا مرّة وَاحِدَة. وضده الخذلان وَهُوَ خلق قدرَة الْمعْصِيَة فِي العَبْد مَعَ الداعية إِلَيْهَا وتسهيل سَبِيل الشَّرّ إِلَيْهِ (واعتصامي) أَي امتناعي من الزلل (إِلَّا بِاللَّه) جلّ وَعلا (عَلَيْهِ توكلت) أَي فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ دون مَا سواهُ (وَإِلَيْهِ أنيب) أَي أرجع.
1 / 40
كتاب الطَّهَارَة
مُقَدّمَة
لم يؤلف الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفِقْه كتابا وَإِنَّمَا أَخذ أَصْحَابه مذْهبه من أَقْوَاله وأفعاله وأجوبته وَغير ذَلِك وَقَوله: لَا يَنْبَغِي أَو: لَا يصلح أَو: أستقبحه أَو: هُوَ قَبِيح أَو: لَا أرَاهُ للتَّحْرِيم لَكِن حمل بَعضهم: لَا يَنْبَغِي فِي مَوَاضِع من كَلَامه على الْكَرَاهَة. وَقَوله: أكره أَو: لَا يُعجبنِي أَو: لَا أحبه أَو: لَا أستحسنه أَو يفعل السَّائِل كَذَا احْتِيَاطًا - وَجْهَان و: أحب كَذَا أَو: يُعجبنِي أَو: أعجب إِلَيّ للنَّدْب.
كتاب الطَّهَارَة
أَي مَكْتُوب جَامع لمسائل الْأَحْكَام الَّتِي تتَعَلَّق بِالطَّهَارَةِ. وَهِي مصدر طهر بِالْفَتْح وَالضَّم كَمَا فِي الصِّحَاح وَهِي لُغَة: النَّظَافَة والنزاهة عَن الأقذار حَتَّى المعنوية وَشرعا: ارْتِفَاع حدث وَمَا فِي معنى ارْتِفَاع الْحَدث كالحاصل بِغسْل الْمَيِّت لِأَنَّهُ تعبدي لَا عَن حدث بِمَاء طهُور مُبَاح وَزَوَال خبث بِهِ.
1 / 41
وَبَدَأَ بِالطَّهَارَةِ اقْتِدَاء بالأئمة كالشافعي لِأَن آكِد أَرْكَان الْإِسْلَام بعد الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاة وَالطَّهَارَة شَرط لَهَا وَالشّرط مقدم على الْمَشْرُوط. وَتَكون بِالْمَاءِ وَالتُّرَاب؛ وَالْمَاء هُوَ الأَصْل. وبدأوا بِربع الْعِبَادَات اهتماما بالأمور الدِّينِيَّة وتقديما لَهَا على الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة. وَقدمُوا الْمُعَامَلَات على النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ لِأَن سَبَب الْمُعَامَلَات وَهُوَ الْأكل وَالشرب وَنَحْوهمَا ضَرُورِيّ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِير وَالصَّغِير وشهوته مُقَدّمَة على شَهْوَة النِّكَاح. وَقدمُوا النِّكَاح على الْجِنَايَات والمخاصمات لِأَن وُقُوع ذَلِك فِي الْغَالِب بعد الْفَرَاغ من شَهْوَة الْبَطن والفرج. (الْمِيَاه) جمع مَاء وَهِي بِاعْتِبَار مَا تتنوع إِلَيْهِ شرعا (ثَلَاثَة) أَنْوَاع لِأَن المَاء إِمَّا أَن يجوز الْوضُوء بِهِ أَو لَا فَالْأول الطّهُور وَالثَّانِي إِمَّا أَن يجوز شربه أَو لَا فَالْأول الطَّاهِر وَالثَّانِي النَّجس. فالنوع (الأول طهُور) فِي نَفسه مطهر لغيره وَهُوَ أشرفها (وَهُوَ الْبَاقِي على خلقته) أَي صفته الَّتِي خلق عَلَيْهَا - من حرارة أَو برودة أَو عذوبة أَو ملوحة أَو غَيرهَا - حَقِيقَة بِأَن لم يطْرَأ عَلَيْهِ شَيْء أَو حكما بِأَن طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْء لَا يسلبه الطّهُورِيَّة كالملح المائي والطحلب وَنَحْوهمَا. (وَمِنْه) أَي الطّهُور نوع (مَكْرُوه كمتغير بِغَيْر ممازج) أَي مخالط كعود القماري نِسْبَة إِلَى بَلْدَة بِبِلَاد الْهِنْد يُقَال لَهَا قمار بِفَتْح الْقَاف وَقطع الكافور والدهن والمسخن بِالنَّجَاسَةِ وَمِنْه متغير بمخالط أَصله المَاء كالملح المائي لِأَنَّهُ مُنْعَقد من المَاء بِخِلَاف المعدني فَإِنَّهُ يسلبه الطّهُورِيَّة. (وَمِنْه نوع (محرم) أَي يحرم اسْتِعْمَاله و(لَا يرفع الْحَدث) وَهُوَ
1 / 42
الْوَصْف الْقَائِم بِالْبدنِ يمْنَع الصَّلَاة وَنَحْوهَا (ويزيل الْخبث) أَي الطَّارِئ على مَحل طَاهِر (وَهُوَ الْمَغْصُوب) أَو ثمنه الْمعِين حرَام. (وَلَا يُبَاح مَاء (غير بِئْر النَّاقة من) آبار ديار (ثَمُود) فيتيمم مَعَ وجود مَاء غير بِئْر النَّاقة من آبار ثَمُود وَمَعَ وجود المَاء الْمَغْصُوب وَالْمَاء الَّذِي ثمنه الْمعِين حرَام وَلَا يَسْتَعْمِلهُ لِأَنَّهُ مَمْنُوع شرعا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حسا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَهِي الْبِئْر الْكَبِيرَة الَّتِي يردهَا الْحجَّاج فِي هَذِه الْأَزْمِنَة. انْتهى. وَمن الطّهُور مَاء قَلِيل خلت بِهِ امْرَأَة مكلفة لطهارة كَامِلَة عَن حدث يرفع حدث الْأُنْثَى لَا الرجل الْبَالِغ وَالْخُنْثَى. النَّوْع (الثَّانِي) من الْمِيَاه (طَاهِر) فِي نَفسه غير مطهر لغيره وَهُوَ أَنْوَاع مِنْهَا الْمُسْتَخْرج بالعلاج كَمَاء الْورْد والزهر والبطيخ وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاء مُطلق وَلَو حلف لَا يشرب مَاء فشربه لم يَحْنَث. وطهور خالطه طَاهِر فَغير اسْمه حَتَّى صَار صبغا أَو خلا فَيصير طَاهِرا غير مطهر إِلَّا النَّبِيذ إِذا أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام فَيصير نجسا محرما وَيَأْتِي فِي حد الْمُسكر. (لَا يرفع الْحَدث وَلَا يزِيل الْخبث وَهُوَ) أَي الطَّاهِر (الْمُتَغَيّر بممازج طَاهِر) كالزعفران وَاللَّبن وَالْعَسَل وَنَحْوه من الطهارات. (وَمِنْه) أَي الطَّاهِر (يسير مُسْتَعْمل فِي رفع حدث) أَو فِي غسل يَدي قَائِم من نوم ليل نَاقض لوضوء أَو فِي غسل ذكر وأنثيين
1 / 43
لخُرُوج مذي دونه أَو غسل بِهِ ميت فَكل ذَلِك طَاهِر غير مطهر. النَّوْع (الثَّالِث) من الْمِيَاه (نجس) بِتَثْلِيث الْجِيم وسكونها وَهُوَ لُغَة المستقذر وضد الطَّاهِر (يحرم اسْتِعْمَاله مُطلقًا) أَي فِي الْعِبَادَات وَغَيرهَا وَلَو لم يُوجد غَيره إِلَّا لضَرُورَة كدفع لقْمَة غص بهَا وَلَا طَاهِر أَو عَطش مَعْصُوم أَو طفي حريق متْلف وَيقدم على بَوْل وَبَوْل على خمر. (وَهُوَ) أَي النَّجس (مَا تغير بِنَجَاسَة) وَلَو يسيرَة (فِي غير مَحل تَطْهِير) قل التَّغَيُّر أَو كثر فينجس إِجْمَاعًا أما إِذا كَانَ المَاء الملاقي للنَّجَاسَة فِي مَحل التَّطْهِير فَلَا ينجس لبَقَاء عمله (أَو لاقاها) أَي لَاقَى المَاء النَّجَاسَة (فِي غَيره) أَي مَحل التَّطْهِير (وَهُوَ يسير) جملَة حَالية فينجس بِمُجَرَّد الملاقاة. (وَالْمَاء (الْجَارِي) فِي الحكم (كالراكد) خلافًا لأبي حنيفَة إِن بلغ مَجْمُوعه قُلَّتَيْنِ رفع النَّجَاسَة عَن نَفسه إِن لم تغيره فَلَا اعْتِبَار بالجرية وَهِي مَا أحَاط بِالنَّجَاسَةِ من المَاء يمنة ويسرة وعلوا وسفلا إِلَى قَرَار النَّهر سوى مَا أمامها ووراءها. وَإِن لم يتَغَيَّر المَاء الْكثير بِالنَّجَاسَةِ لم ينجس بملاقاتها إِلَّا ببول الْآدَمِيّ أَو عذرته المائعة أَو الرّطبَة؛ أَو الْيَابِسَة إِن ذَابَتْ فينجس بهَا دون سَائِر النَّجَاسَات عِنْد أَكثر الْمُتَقَدِّمين والمتوسطين إِلَّا أَن تعظم مشقة نزحه كمصانع مَكَّة. وَعنهُ: لَا ينجس وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ الْمَذْهَب عِنْدهم وعللوه بِأَن نَجَاسَة بَوْل الْآدَمِيّ لَا تزيد على نَجَاسَة بَوْل الْكَلْب وَهُوَ لَا ينجس الْقلَّتَيْنِ فَهَذَا أولى. (وَالْكثير) من المَاء حَيْثُ أطلق (قلتان) تَقْرِيبًا فَصَاعِدا (وهما) أَي
1 / 44
القلتان (مائَة رَطْل وَسَبْعَة أَرْطَال وَسبع رَطْل بالدمشقي) وَمَا وَافقه وَتِسْعَة وَثَمَانُونَ رطلا وَسبعا رَطْل بالحلبي وَمَا وَافقه وَخَمْسمِائة رَطْل بالعراقي وَمَا وَافقه وَثَمَانُونَ رطلا وَسبعا رَطْل وَنصف سبع رَطْل بالقدسي وَمَا وَافقه وَأحد وَسَبْعُونَ رطلا وَثَلَاثَة أَسْبَاع رَطْل بالبعلي وَمَا وَافقه. (واليسير) من المَاء (مَا) كَانَ (دونهمَا) أَي الْقلَّتَيْنِ أَي يُسمى يَسِيرا وقليلا.
1 / 45
فصل
هُوَ عبارَة عَن الحجز بَين شَيْئَيْنِ لِأَنَّهُ حاجز بَين أَجنَاس الْمسَائِل وأنواعها. وَهَذَا الْفَصْل يذكر فِيهِ حكم الْآنِية وَمَا يُبَاح مِنْهَا وَمَا يحرم وَغير ذَلِك وَهِي ظروف المَاء وَغَيرهَا. (كل إِنَاء) وَيجمع على آنِية كوعاء وأوعية وسقاء وأسقية وَجمع الْآنِية أواني وَالْأَصْل أءاني أبدلت الْهمزَة الثَّانِيَة واوا كَرَاهِيَة اجْتِمَاع همزتين كآدم وأوادم. وَهُوَ لُغَة وَعرفا الْوِعَاء. (طَاهِر) صفة لإناء (يُبَاح اتِّخَاذه واستعماله) ثمينا كَانَ كالجوهر والياقوت أَو غير ثمين كالخشب والزجاج إِلَّا عظم آدَمِيّ وَجلده فَيحرم اتِّخَاذ إِنَاء مِنْهُ واستعماله لِحُرْمَتِهِ حَتَّى الْميل وَنَحْوه وَإِلَّا إِنَاء ثمنه الْمعِين حرَام فَيحرم لحق مَالِكه (إِلَّا أَن يكون) الْإِنَاء (ذَهَبا أَو فضَّة أَو مضببا) أَو مطليا أَو مطعما أَو مكفتا بهما أَو (بِأَحَدِهِمَا) فَيحرم (لَكِن تُبَاح ضبة يسيرَة) عرفا (من فضَّة) لَا ذهب (لحَاجَة) كتشعيب قدح احْتَاجَ إِلَى ذَلِك وَأَن تكون لغير زِينَة. (وَمَا لم تعلم نَجَاسَته من آنِية كفار وثيابهم) أَي الْكفَّار وَلَو وليت عَوْرَاتهمْ (طَاهِر) لأَنا لَا ننجس شَيْئا بِالشَّكِّ.
1 / 46
(وَلَا يطهر جلد ميتَة) نجس بموتها (بدباغ) وَيُبَاح دبغه واستعماله بعده فِي يَابِس (وكل أَجْزَائِهَا) أَي الْميتَة (نَجِسَة إِلَّا شعرًا وَنَحْوه) كريش وصوف فَإِنَّهُ طَاهِر إِذا كَانَ من حَيَوَان طَاهِر فِي الْحَيَاة كغنم وَنَحْوه أَو غير مَأْكُول كهر وَمَا دونه فِي الْخلقَة كالفرأة وَنَحْوه. (والمنفصل من حَيّ) فَهُوَ (كميتته) طَهَارَة ونجاسة.
1 / 47
فصل
(والاستنجاء) وَهُوَ إِزَالَة مَا خرج من السَّبِيلَيْنِ بِمَاء طهُور أَو حجر مُبَاح منق. وَهُوَ (وَاجِب من كل خَارج) نَادرا كالدود أَو غير نَادِر كالبول (إِلَّا الرّيح فَهُوَ) إِلَّا (الطَّاهِر) كالمني (وَإِلَّا (غير الملوث) كالبعر والحصا الجافين. (وَسن عِنْد دُخُول خلاء) بِالْمدِّ (قَول: بِسم الله اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك) أَي ألجأ إِلَيْك (من الْخبث) بِإِسْكَان الْبَاء وتحريكها (والخبائث) جمع خَبِيث وخبيثة فَكَأَنَّهُ استعاذ من ذُكُور الشَّيَاطِين وإناثهم. وَقيل: الْخبث الْكفْر والخبائث الشَّيَاطِين. (وَسن قَوْله (إِذا خرج مِنْهُ) أَي الْخَلَاء: (غفرانك الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني) . (وَسن (تَغْطِيَة رَأس وانتعال) أَيْضا. (وَسن (تَقْدِيم رجله الْيُسْرَى دُخُولا) أَي فِي حَالَة الدُّخُول؛ (و) سنّ (اعْتِمَاده عَلَيْهَا) أَي على رجله الْيُسْرَى وَينصب الْيُمْنَى بِأَن يتكئ على رُؤُوس أصابعها وَيرْفَع قدمهَا حَال كَونه (جَالِسا) لِأَنَّهُ أسهل لخُرُوج الْخَارِج. (وَسن تَقْدِيم رجله (الْيُمْنَى خُرُوجًا) أَي فِي حَالَة الْخُرُوج
1 / 48
وَعكس) ذَلِك دُخُول (مَسْجِد وَلبس (نعل وَنَحْوهمَا) كدخول مدرسة وَلبس قَمِيص أَي يسن إِذا دخل الْمَسْجِد وَنَحْوه أَو لبس النَّعْل وَنَحْوه أَن يبْدَأ باليمنى لِأَنَّهَا أَحَق بالتقديم إِلَى الْأَمَاكِن الطّيبَة. وَإِذا خلع نَحْو مَا ذكر أَو خرج من مَسْجِد بَدَأَ باليسرى. (وَسن (بعد فِي فضاء) حَتَّى لَا يرى واستتاره عَن نَاظر (وَسن (طلب مَكَان رخو) بِتَثْلِيث الرَّاء (لبول) ولصوق ذكره بصلب - بِضَم الصَّاد - أَي شَدِيد إِن لم يجد مَكَانا رخوا ليأمن رشاش الْبَوْل. (وَسن (مسح الذّكر بِيَدِهِ الْيُسْرَى إِذا انْقَطع الْبَوْل من أَصله) أَي الذّكر أَي من حَلقَة دبره فَيَضَع إِصْبَع يَده الْيُسْرَى الْوُسْطَى تَحت الذّكر والإبهام فَوْقه ويمر بهما (إِلَى رَأسه) أَي الذّكر (ثَلَاثًا) لِئَلَّا يبْقى فِيهِ من الْبَوْل شَيْء (وَسن (نتره) أَي الذّكر - بِالْمُثَنَّاةِ (ثَلَاثًا) نصا ليستخرج بَقِيَّة الْبَوْل مِنْهُ. (وَكره دُخُول خلاء بِمَا فِيهِ ذكر الله) ﷾ لَا دَرَاهِم ودنانير وَنَحْوهمَا لمَشَقَّة التَّحَرُّز عَنْهُمَا وَمثلهمَا حرز. قَالَ صَاحب النّظم: وَأولى إِلَّا الْمُصحف. قَالَ فِي الْإِنْصَاف: لَا شكّ فِي تَحْرِيمه قطعا من غير حَاجَة وَلَا يتَوَقَّف فِي هَذَا عَاقل. وَكره ذكر الله تَعَالَى فِي الْخَلَاء إِلَّا بِقَلْبِه (وَكره (كَلَام فِيهِ) أَي الْخَلَاء وَلَو سَلاما أَو رد سَلام نصا (بِلَا حَاجَة) وَقد يجب لتحذير مَعْصُوم عَن هلكة كأعمى وغافل يحذرهُ عَن بِئْر وحية وَنَحْوهمَا؛ لِأَن مُرَاعَاة حفظ الْمَعْصُوم أهم.
1 / 49
وَكره السَّلَام على المتخلي فَإِن عطس أَو سمع مُؤذنًا حمد الله تَعَالَى وَأجَاب بِقَلْبِه. وَتحرم الْقِرَاءَة فِيهِ وَهُوَ مُتَوَجّه على حَاجته جزم بِهِ صَاحب النّظم. وَفِي الغنية: لَا يتَكَلَّم وَلَا يذكر الله وَلَا يزِيد على التَّسْمِيَة والتعوذ. انْتهى. (وَكره (رفع ثوب قبل دنو من الأَرْض) بِلَا حَاجَة فيرفع ثَوْبه شَيْئا فَشَيْئًا. قَالَ فِي الْمُبْدع: وَلَعَلَّه يجب إِذا كَانَ ثمَّ من ينظره. (وَكره (بَوْل فِي شقّ) بِفَتْح الشين وَاحِد الشقوق (وَنَحْوه) كسرب - بِفَتْح السِّين وَالرَّاء - عبارَة عَن الثقب وَهُوَ مَا يَتَّخِذهُ الْهَوَام بَيْتا فِي الأَرْض وَلَو فَم بالوعة. وَكره بَوْل فِي مَاء راكد وَلَو كثيرا وَفِي مَاء قَلِيل جَار لَا فِي كثير جَار. وَكره بَوْل فِي إِنَاء بِلَا حَاجَة من نَحْو مرض وَفِي نَار. وَقد قيل: إِن البصاق على الْبَوْل يُورث الوسواس وَإِن الْبَوْل على النَّار يُورث السقم. وَلَا يكره الْبَوْل قَائِما بِشَرْط أَن يَأْمَن تلويثا وناظرا. (وَكره (مس فرج بِيَمِين بِلَا حَاجَة) إِلَيْهِ (وَكره (اسْتِقْبَال النيرين) أَي الشَّمْس وَالْقَمَر لما فيهمَا من نور الله تَعَالَى واستقبال قبْلَة واستدبارها بفضاء باستنجاء أَو استجمار. (وَحرم) فِي حَال الْبَوْل وَالْغَائِط (اسْتِقْبَال قبْلَة واستدبارها) إِذا كَانَ (فِي غير بُنيان) لحَدِيث: إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا
1 / 50
تستدبروها لَكِن شرقوا أَو غربوا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَحرم (لبث) فِي الْخَلَاء (فَوق) قدر (الْحَاجة) لِأَنَّهُ كشف عَورَة بِلَا حَاجَة وَلَا فرق بَين أَن يكون فِي ظلمَة أَو حمام أَو بِحَضْرَة ملك أَو جني أَو حَيَوَان أَو لَا ذكره فِي الرِّعَايَة وَهُوَ مُضر عِنْد الْأَطِبَّاء قيل: إِنَّه يدمي الكبد وَيُورث الْبَاسُور. (وَحرم (بَوْل) وتغوط فِي مورد مَاء وَفِي طَرِيق مسلوك وَنَحْوه) كظل نَافِع ومتشمس زمن الشتَاء ومتحدث النَّاس إِذا لم يكن بِنَحْوِ غيبَة وَإِلَّا فيفرقهم بِمَا يَسْتَطِيع. (وَحرم بَوْل وتغوط بَين قُبُور الْمُسلمين (وَتَحْت شَجَرَة مثمرة ثمرا مَقْصُودا) يُؤْكَل أَو لَا لِأَنَّهُ يُفْسِدهُ وتعافه الْأَنْفس فَإِن لم يكن عَلَيْهِ ثَمَر جَازَ. (وَسن استجمار) بِحجر وَنَحْوه (ثمَّ استنجاء بِمَاء) فَإِن عكس كره (وَيجوز الِاقْتِصَار على أَحدهمَا) أَي الْحجر وَالْمَاء (لَكِن المَاء أفضل حِينَئِذٍ) أَي حَيْثُ أَرَادَ الِاقْتِصَار على أَحدهمَا فالماء أفضل كَمَا أَن جَمعهمَا أفضل من الِاقْتِصَار على أَحدهمَا. وَلَا يَصح وضوء وَلَا تيَمّم قبل الِاسْتِنْجَاء قَالَه فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي شَرحه: وَظَاهره لَا فرق بَين التَّيَمُّم عَن حدث أَصْغَر أَو أكبر أَو نَجَاسَة بِبدنِهِ فَإِن كَانَت النَّجَاسَة على غير السَّبِيلَيْنِ أَو عَلَيْهِمَا غير خَارِجَة مِنْهُمَا صَحَّ الْوضُوء وَالتَّيَمُّم قبل إِزَالَتهَا. انْتهى.
1 / 51
وَعبارَة الْإِقْنَاع وَشَرحه كَذَلِك. وَشرط لصِحَّة الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ أَن يكون طهُورا وَسبع غسلات منقية وَيجب استرخاؤه قَلِيلا بِحَيْثُ ينقى من بَاب: مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب وَلِحَدِيث: تنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ. قَالَ الْمَنَاوِيّ: فَعدم التَّنَزُّه مِنْهُ كَبِيرَة لاستلزامه بطلَان الصَّلَاة وَتركهَا كَبِيرَة. انْتهى. وَقَالَ ابْن حجر فِي كِتَابه الزواجر فِي الْكَبِيرَة الْحَادِيَة وَالسبْعين بعد سِيَاقه صفة الِاسْتِبْرَاء من الْبَوْل: وَكَذَلِكَ يتَعَيَّن على الْإِنْسَان فِي غائطه أَن يُبَالغ فِي غسله مَحَله وَأَن يسترخي قَلِيلا حَتَّى يغسل مَا فِي تضاعيف شرج حَلقَة دبره فَإِن كثيرين مِمَّن لَا يسترخون وَلَا يبالغون فِي غسل ذَلِك الْمحل يصلونَ بِالنَّجَاسَةِ فَيحصل هم ذَلِك الْوَعيد الشَّديد الْمَذْكُور فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث لِأَنَّهُ إِذا ترَتّب على الْبَوْل فَلِأَن يَتَرَتَّب على الْغَائِط من بَاب أولى لِأَنَّهُ أقذر وأفحش انْتهى. (وَلَا يَصح استجمار إِلَّا بطاهر) فَلَا يَصح بِنَجس (مُبَاح) فَلَا يَصح بِمحرم كمغصوب وَذهب وَفِضة بِخِلَاف الِاسْتِنْجَاء فَإِنَّهُ يَصح بِغَيْر الْمُبَاح وَحَيْثُ استجمر بِمَا نهى الشَّارِع عَنهُ لِحُرْمَتِهِ كالروث وَنَحْوه لم
1 / 52