وأحسن الخيلان ما زان الوجه، وأحسن ما في الوجه مكان البلج بين الحاجبين وهو قليل، والخدود. وأحسن ما في الخدود الخد الأيمن صحنه، وهو وسطه، وما كان في وسط الحنك، وما دار حول الفم، وأحسنه ما كان في وسط الشفة العليا، ثم ما كان في الأصداغ، ثم ما كان في صفحة العنق، ثم ما كان في الصدر، في مجال القلائد، ثم ما كان قريبًا من السرة، وما كان على ظاهر الكف، ثم على الساعد، وأحسنه ما كان في الجانب الأيسر، ثم في الجانب الوحشي، ثم ما كان على الأرداف، ثم ما كان على الأفخاذ، ثم ما كان في بطون الساقات، ثم ما كان على ظاهر القدم في وسطه.
ولا يليق بالأنف سيء من الخيلان وكذلك الأذن وكذلك الأجفان، وليس الخال في الجبهة بقبيح خصوصًا إذا كان متوسطًا، وأحسن الخيلان ما كان مائلًا إلى السواد أو الخضرة، وهو على الجسم النقي البياض المشرب بحمرة وأحسنها ما خلا من الشعر، فإن كان الشعر في شيء منها فأليقه ما كان بقرب السوالف، وأحسن الشعر ما كان دون الثلاث بطول، وإذا كانت الشعرات كثيرة قصيرة فلا وأحسن أشكال الخيلان ما استدار، وكان مثل العدسة فما فوقها إلى فلقة الحمصة، ولا يكون زائد النفور عن البدن، يعني سطح الجسم، ولا يستحسن كبر الخال إذا كان في الوجه في صحن الخد، فأما إذا كان في العنق فيستحسن كبره، ولاسيما إذا كان [في] الصدر، وما دون ذلك إلى القدم، ولا يستحسن كثرة الخيلان.
قال ابن سناء الملك:
والخد بهجته بخال واحد ... ويقل فيه بكثرة الخيلان
وقد يزيد عل الواحدة ويستحسن في الموضع، كما إذا كانت الشامات على وضع النسر الواقع في النجوم، وهي على هيئة الأثافي كشكل مثلث متناسب الأوضاع، أو يكون على هيئة النسر الطائر، كمنطقة الجوزاء، وهي خيط مستقيم ذو ثلاث نقط متساوية البعد، فإذا كانت متناسبة المقادير كانت غاية في الحسن. وهذا كله تعنت ممن لم يكن عنده هوى ولا ميل، لأن المحب لا يرى شيئًا أحسن عنده من الصورة التي مال إليها وعلق بها على أي حال وجدة، وعلى أي وضع كانت.
قال الشاعر:
وكم في الناس من حسن ولكن ... عليك لشقوتي وقع اختياري
وهذا الشاعر أنصف في القول، لأنه اعترف بأن غير محبوبه أحسن منه مع الكره، ولكن مال مع هوى نفسه إليه، وأما غيره فإنه تغالى وبالغ وادعى أنه ظفر بمحبوب هو الغاية التي لا مزيد عليها في الحسن والجمال.
وقال أبو نواس:
تركت والحسن يأخذه ... يتخفى منه وينتخب
فأنتقت منه طرائفه ... واستزادت فضل ما يهب
وكان أبو نواس متسلقًا على هذا المعنى، أخذه من قول بشار الشاعر حيث يقول:
خلقت على ما في غير مخير ... هواي ولو خيرت كنت المهذبا
ثم تناوله أبو تمام الطائي فأخفاه فقال:
ولو صورت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطباع
وبشار وغيره أخذ أصل هذا المعنى من قول عبد الله بن مصعب:
كأنك جئت محتكمًا عليهم ... تخير في الأبوة ما تشاء
فأخذه أبو الطيب فقصر عنه لما قال:
حبيب كأن الحسن يحبه ... فأثره أو جار في الحب قاسمه
وما أحسن قول مهيار الديلمي حيث يقول:
وكأنما وليت خطائط وجهها يدها ... فجاءت في الجمال كما اشتهت
أخذت وأعطت من ضياء الشمس ما ... احتكمت فجمعت الجمال وفرقت
ملكت على بانات جو أمرها ... فلها الإمارة ما استقامت واثنت
فإذا أرادت بالقضيب مساءة ... وتنقمت جرمًا عليه تأودت
قلت "أنا" والعياذ بالله في هذه المادة:
تعيب العاذلات وذاك جهل ... محياك الذي بهر النواحي
وما أعوذت شيئًا من جمال ... كأنك خلقت على اقتراحي
وقلت أيضًا:
مليح حلا في كل قلب وناظر ... وكل ضمير نحوه يتلفت
أتى باختلافات المنى في جماله ... فما فيه ما يستدرك المتعنت
وقد اختلف الشعراء في تشبيه الخال، وأنا أذكر الآن ما يجود منه التشبيه في ذلك الواقع بحيث الإمكان، فأقول:
1 / 7