وحل حلمي حمادة المشكلة بأن دعاهما إلى شقة قرنفلة - وهي شقته أيضا - وتركهما منفردين، وقال إسماعيل بقلق بريء: ستظن قرنفلة بنا الظنون.
فقالت باستهانة: لتقل ما تشاء!
وعبث به الشك، وأخذ يدها بين يديه فقبضت على يده ورفعتها إلى عنقها، وتلاقيا في قبلة طويلة، وجدها بعدها مستسلمة بين يديه. قال: كان الأمر مفاجأة، غمرتني سعادة ولكن شابها قلق، وانعقدت فوق رأسي تساؤلات مبهمة، وكدت أسألها عن سر استسلامها ولكنني لم أفعل.
وتبادلنا النظر حتى قال: لعلها الأحداث قد هزتها! - لعلها ... - وساورني ندم، واتهمت نفسي بأنني انتهزت فرصة ضعف وانهيار. - هل تكرر ذلك؟ - كلا. - بلا محاولة من جانبك أو جانبها؟ - بلا أي محاولة، وظلت روابطنا الخارجية وثيقة ولكن روحينا انفصلتا. - موقف غريب. - إنه الموت البطيء، وهو من ناحيتي له ما يفسره أما من ناحيتها فلغز من الألغاز. - لاحظت تغيرا ما في علاقتكما في الكرنك ولكنني حسبته عارضا. - سألتها عما عانت في السجن في المدة القصيرة التي قضتها فيه، ولكنها أكدت لي أن معاناتها كانت قصيرة وتافهة .. وقد شاب إيماننا الثوري امتعاض راسخ، أصبحنا أكثر استعدادا للإصغاء للنقد، انطفأ الحماس، تضاءلت الشعلة، أجل إن الإيمان الأساسي لم يقتلع، ولكننا قلنا إن الأسلوب يجب أن يتغير وإن الفساد يجب أن يستأصل، وإن الأعوان الساديين يجب أن يذهبوا، الثورة المجيدة أصبحت محاصرة.
وذات مساء عادا إلى مناقشة الموضوع مع حلمي حمادة في مسكنه، وقال حلمي حمادة: إني أعجب كيف أنكما ما زلتما تؤمنان بالثورة!
فقال له إسماعيل: إن وجود الأمعاء بالجسم البشري لا يقلل من جلال العقل.
فقال حلمي ساخرا: إننا نلجأ عند العجز إلى التشبيه والاستعارة.
ثم قال لهما: علينا أن نعمل.
وأطلعهما على منشور سري سيقوم بتوزيعه مع بعض الرفاق، قال لي إسماعيل: فوجئت بتصريحه، فزعت فزعا شديدا، تمنيت أنني لم أسمعه، وتذكرت عملي السري الذي يطالبني بالإبلاغ عنه فورا، تذكرته فتزلزل كياني كله، وتراءت لعيني أعماق الهاوية التي سأتردى فيها.
ومضت ساعة بعد ذلك، حلمي يتكلم ونحن نصغي أو نعلق بكلمات مقتضبة، عقلي شارد تماما وحزني ثقيل، وقلت له: اعدل عن النشاط ومزق المنشور.
অজানা পৃষ্ঠা