কাম উমর ঘাদাব
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
জনগুলি
حسنا، إن مثل هذه الأشياء تحدث في أحسن «الثورات»، ولكن ألم تكن هذه الواقعة تستحق من هيكل تعليقا على النظام الذي سمح بهذا، وجعل من الهدايا وسيلة لتوثيق الصلات، هل هذه هي الدروس التي يقدمها فلاسفة الثورة للأجيال الجديدة؟
ينتقد هيكل العهد الساداتي على كثير من ممارساته اللاديمقراطية، وهو قطعا على حق في هذا النقد، ولكنه لا يقدم إشارة واحدة إلى الإطار التاريخي الذي ظهرت في ظله هذه الممارسات، ويصورها كما لو كانت قد ابتدعت في عهد السادات.
فهو يعيب على السادات إصداره تشريعا يمنع الذين «أفسدوا الحياة السياسية قبل الثورة أو بعدها» من النشاط السياسي، وينسى أن تشريعات كهذه كانت تصدر من آن لآخر طوال عهد الثورة، كان أولها ما صدر في عام 1953م تمهيدا لحل الأحزاب. وهكذا فإن تشريع السادات حلقة في سلسلة طويلة من الإجراءات القمعية ضد التجربة الحزبية في مصر، ولم يكن السادات في إجرائه هذا إلا ابنا مخلصا للتراث الذي تربى سياسيا في ظله. وما دام هيكل قد وجد في التشريع الساداتي إجراء تعسفيا - وهو بالفعل كذلك - فلماذا سكت عن الإجراءات المماثلة السابقة، بل لماذا أيدها ودعمها بتنظيراته؟ هنا نرى هيكل واحدا ضمن سلسلة طويلة من رجال الثورة الذين كانوا يؤيدون الدكتاتورية وهم في الحكم، ثم يتحولون بقدرة قادر إلى ديمقراطيين متحمسين عندما يتم استبعادهم، من أمثال البغدادي وكمال الدين حسين وهويدي ... إلخ.
وهو يسخر من تلاعب السادات في الدستور، وتعديل المادة الخاصة برئاسة الجمهورية، بحيث تتجدد مدة الرئاسة إلى ما لا نهاية! هل كانت هذه هي المرة الأولى التي حدث فيها ذلك؟
بل إنه يلاحظ في الفصول الأخيرة، عن حق، أن السادات كان لديه دستور لا بأس به، ولكنه لم يكن يتقيد به ... ألم تكن هذه فرصة لنقد مبدأ التلاعب بالدستور بوجه عام، ولإعطاء القارئ درسا في أهمية الدساتير ووجوب احترامها في كل العهود؟
وحين يسخر هيكل من استفتاءات السادات، التي كانت نتائجها مضمونة مقدما، والتي كان يلجأ إليها لإضفاء صبغة قانونية زائفة على إجراءات أو تشريعات مخالفة بطبيعتها لروح القانون والدستور؛ فهل كان هيكل يهاجم مبدأ الاستفتاء ذاته، أم كان يهاجمه فقط عندما طبقه خصمه السياسي؟ ألم يكن الاستفتاء مبدأ معمولا به قبل عهد السادات بوقت غير قصير؟
ومما يلفت النظر أن هيكل قد انتقد بشدة، في كتابه الأخير، طبيعة التنظيمات السياسية غير الشعبية التي تخلقها السلطة لدعم مركزها، ويشير إلى عيوبها بقوله: «لم تكن لدى حزب مصر - على سبيل المثال - ولا الحزب الوطني بعده، من القوة السياسية إلا ما أسبغه النظام بالسلطة عليهم ليكونوا واجهات يتستر وراءها الفعل الحقيقي، وكان أكثر من نصف أعضاء مجلس الشعب من هؤلاء الذين غيروا آراءهم مع تغيير الحكومة لسياساتها، كانوا اشتراكيين في الوقت الذي كان من الحكمة فيه أن يكونوا أعضاء في الاتحاد الاشتراكي العربي، وأصبحوا رأسماليين عندما انفتحت الأبواب لرأس المال الأجنبي، وكانوا أصدقاء للاتحاد السوفييتي حين كان ذلك ملائما، ثم انتقلوا بسرعة - حين تغيرت الظروف - إلى الصداقة مع الولايات المتحدة، وكانوا دعاة الحرب مع إسرائيل، وبعد المبادرة أصبحوا كلهم من دعاة السلام.»
هذا تشخيص سليم بغير شك، ولكن هل ينطبق على أعضاء حزب مصر والحزب الوطني وحدهم؟ ألم ينتقل عدد كبير من الأعضاء قبل ذلك، من هيئة التحرير إلى الاتحاد القومي إلى الاتحاد الاشتراكي، رغم اختلاف المبادئ والأسس في كل حالة؟ ألم يكونوا بدورهم رأسماليين في البداية، ثم أعلنوا ولاءهم للاشتراكية حين أصبحت سياسة رسمية؟ إن جوهر نقد هيكل كان ينبغي أن ينصب على أسلوب الحكم الذي يفرض تنظيما شعبيا مقلوبا، يسير نشاطه من القمة إلى القاعدة، على حين أن التنظيمات، لكي تكون شعبية بحق، لا بد لها أن تبدأ بالقاعدة وتنقل رغباتها ومطالبها إلى القمة، ومثل هذا الأسلوب لم يبدأ فجأة في عهد السادات، بل كانت له مقدمات طويلة.
أما الحديث عن أولئك الذين كانوا أصدقاء للاتحاد السوفييتي حين كان ذلك ملائما، ثم انتقلوا عندما تغيرت الظروف إلى الصداقة مع الأمريكان، فإنه حديث جريء حقا، وخاصة حين يصدر عن هيكل، وأرجح أنه كتب هذا الجزء وهو جالس أمام المرآة!
وحين وصف هيكل عملية اعتقاله وصفا دراميا مفصلا، كان يتحدث في الواقع عن نقطة هامة في حياته، جعلته يتخذ قراره بأن يتكلم، والأمر المذهل حقا هو أن هذا الاعتقال المخفف جدا، سواء من حيث مدته أو أسلوب معاملته في السجن، لم يكن مما يمكن مقارنته على الإطلاق بما حدث لألوف الأشخاص من قبل، ممن ذاقوا أشد الأهوال لمدد أطول كثيرا، وفي ظروف أصعب ألف مرة، ومع ذلك فإن هيكل يصور حادثة اعتقاله كما لو كانت شيئا فريدا في نوعه، ولم يحاول أن يعالجها، ولو في سطر واحد، بوصفها ظاهرة عامة ونتيجة ضرورية لأسلوب معين في الحكم.
অজানা পৃষ্ঠা