কাম উমর ঘাদাব
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
জনগুলি
كان مدركا أنه أكمل مهمته، وذهب ليستريح. •••
والآن دعونا نلق نظرة هادئة على تلك الكلمة ذات المظهر البريء، التي كانت الخطة المتدرجة، الشديدة الحذر والذكاء، تستهدف إقناع الأذهان بها، وأعني بها كلمة «تحييد أمريكا»، هذه الكلمة تلخص هدف السياسة الجديدة كلها: فبينما كان هيكل يؤكد، في ظل سياسة عبد الناصر، أن أمريكا لا تقل عداء لنا عن إسرائيل، وأن مصالحهما مرتبطة ارتباطا عضويا يستحيل تفكيكه، وأن الأمور وصلت إلى حد أن الإرادة الأمريكية أصبحت عاجزة عن الاستقلال عن الإرادة الإسرائيلية، وأن دفاع أمريكا عن إسرائيل وسعيها إلى إضعاف الدول العربية، إنما هو سياسة دائمة وليس على الإطلاق وضعا مؤقتا - بينما كان هيكل يؤكد ذلك كله، أصبح في عام 1972م يركز جهوده على طرح هذا المفهوم الجديد، الذي يتناقض كلية مع المفاهيم السابقة، وأعني به مفهوم «التحييد»، ويعني به كف يد أمريكا عن التدخل لصالح إسرائيل ضد العرب، فلنحلل إذن هذا المفهوم، ونستخلص نتائجه.
إن لعملية التحييد هذه وسيلتين:
الأولى هي تنمية القوة الذاتية العربية، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، إلى الحد الذي تضطر فيه أمريكا إلى أن تعمل حسابا لقوتنا، وخاصة حين تصل هذه القوة إلى حد تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، فكيف تتحقق لنا مثل هذه القوة؟ من الواضح أنها، لكي تصل إلى الحد الذي تشكل فيه تهديدا حقيقيا، وليس مجرد تهديد مظهري أو مؤقت، لمصالح أمريكا، تحتاج إلى تغيير شامل في نمط الحياة في العالم العربي وفي أساليب حكمه، ولو وصلنا بالفعل إلى مثل هذا التغيير، فلن نكون عندئذ بحاجة إلى تحييد أمريكا؛ لأننا عندئذ نستطيع أن ننتزع حقوقنا بأيدينا، شاءت أمريكا أم أبت، وأبلغ دليل على ضخامة حجم التغيير السياسي والاقتصادي والعسكري، المطلوب تحقيقه في مجتمعنا من أجل الوصول إلى تحييد أمريكا، أن هذا التحييد لم يتحقق حتى عندما وصل التضامن العربي، عسكريا واقتصاديا، إلى مستوى عال لم يبلغه في أي وقت من قبل، في حرب أكتوبر 1973م، فقد زادت أمريكا من مساعداتها لإسرائيل أثناء الحرب، وقدمت إليها أضخم جسر جوي من معدات القتال عرفه التاريخ؛ مما أتاح لها قلب ميزان الحرب جزئيا لصالحها، وإذن فطريق القوة الذاتية العربية المطلوب من أجل التحييد طويل جدا، ولو بلغنا يوما ما لما أصبح للتحييد عندئذ أي داع.
أما الطريق الآخر، فهو الطريق العكسي، أعني طريق الإذعان لمطالب أمريكا، وتقديم الخدمات والتسهيلات لها، وتحقيق مصالحها في المنطقة إلى الحد الذي يأمل أصحاب هذا الطريق أن يؤدي إلى تخفيف انحيازها لإسرائيل، ما دام هناك أصدقاء جدد يؤدون وظيفة إسرائيل التقليدية، وهي حماية المصالح الأمريكية، هذا الطريق إذن لا يكمن في تهديد مصالح أمريكا، بل في التنافس مع إسرائيل على حماية هذه المصالح، ونظرا إلى أن الطريق السابق طويل وشاق، ويفترض شروطا يحتاج تحققها إلى ثورة كاملة، لو حدثت لما عدنا نحتاج إلى هذا التحييد ، فإن نوع التحييد الذي يمكن تنفيذه عمليا، في ظروف العالم العربي الراهنة، هو النوع الثاني؛ أعني التحييد الاستسلامي، ولهذا التحييد دائما ثمن فادح، فما الذي يدفع أمريكا إلى الامتناع عن مساندة إسرائيل أو التخفيف من انحيازها لها؟ إن إسرائيل حليف قوي، يحقق لها مصالح ضخمة: ردع قوى التحرر في العالم العربي، ضمان تدفق النفط للغرب، صد «الخطر الشيوعي»، وعلى ذلك فالمطلوب منا أن نقوم نحن بأداء هذه الخدمات كلها لأمريكا، حتى تدرك أن مصالحها لا تتحقق على يد إسرائيل وحدها، لا سيما وأن لدينا مزايا خاصة، هي اتساع الرقعة جغرافيا، واستراتيجية الموقع، والموارد البشرية والمادية الكبيرة.
هذه هي النظرية التي تبنتها المدرسة الساداتية، عمليا، وكانت أولى خطواتها هي طرد الخبراء السوفييت إرضاء لأمريكا، وتلتها خطوات أخرى: منح القواعد أو التسهيلات العسكرية، المشاركة في بعض الحروب الصغيرة لصالح الغرب (زائير والصومال وتشاد وأفغانستان وغيرها)، تغيير اتجاه الاقتصاد بحيث يصبح رهينة للبنوك الأمريكية والدولية، وتأكيد دور القطاع الخاص مع الإقلال من أهمية القطاع العام ... الخ.
وهكذا يؤدي الجري وراء سراب «التحييد»، إلى أن يصبح العرب أشبه «بالزوجة الثانية» للزوج الغني والقوي: أمريكا، وككل زوجة ثانية، يتعين على العرب أن يتفننوا في إرضاء أمريكا وإغرائها بالتنازلات حتى تنصرف عن الزوجة الأولى (إسرائيل)، ومع كل ذلك فإن إسرائيل القوية، التي يتسم نظامها بالثبات، ولا يتصف بتقلبات الأنظمة العربية ومزاجيتها، والتي تشارك أمريكا «ديمقراطيتها» واعتمادها على مؤسسات ثابتة، لا على أهواء شخصية؛ إسرائيل هذه هي التي تكسب «الزوج» في النهاية، بعد أن تكون الزوجة الثانية قد أعطت أعز ما تملك!
هذه هي النتيجة التي توصل إليها سياسة «التحييد» عمليا، وقد اختبرت هذه السياسة، كما قلت، في حرب أكتوبر، فكانت النتيجة مزيدا من التدخل الأمريكي لصالح إسرائيل، مما جعل السادات نفسه يقول: أوقفت القتال؛ لأنني لا أستطيع أن أحارب أمريكا! ولكن المأساة هي أن نفس اللحظة التي بلغ فيها تدخل أمريكا لصالح إسرائيل ذروته، كانت هي اللحظة التي بلغ فيها هيام أصحاب سياسة «التحييد» بأمريكا أعلى قممه. ومنذ أن بذلت أمريكا أكبر جهد تملكه من أجل تزويد إسرائيل بأضخم كمية من الأسلحة لكي تقتل بها أبناءنا وتحتل أراضينا، أصبحت هي الصديق، ثم الحليف والوليف!
في كلتا الحالتين إذن، وسواء وصلنا إلى التحييد عن طريق القوة الذاتية أم عن طريق الاستسلام، تنتهي سياسة التحييد إلى نتائج مناقضة لذاتها، وتلغي نفسها بنفسها. •••
ولنتأمل بعد ذلك نتائج هذه السياسة الجديدة، التي نفذت بتخطيط بارع، بالنسبة إلى حرب أكتوبر.
অজানা পৃষ্ঠা