কাম উমর ঘাদাব
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
জনগুলি
هنا يظهر بوضوح أنه كانت هناك مجموعتان، واحدة يمكن أن تحرض عبد الناصر ضد هيكل، وأخرى حريصة على سلامة هيكل ضد المجموعة الأخرى، وفيها أنور السادات، ولا شك أن تطوع السادات بكل هذه النصائح إلى هيكل يدل على أنهما كانا ينتميان إلى معسكر أو جناح واحد.
وربما وصف البعض هاتين المجموعتين وصفا أيديولوجيا، فقال إن الأولى (علي صبري) يسارية، والثانية (السادات) يمينية، ولكن هذا في رأيي وصف لا يصدق إلا في حدود ضيقة، فقد تعاملت المجموعة الأولى بالفعل مع السوفييت في وقت كانت مصالحهم فيه تقتضي ذلك، وأنا أشك جدا في أن يكون هناك أي أساس أيديولوجي حقيقي لهذا التعامل، أما مجموعة السادات فكان موقفها أوضح، هو الميل الشديد إلى الجانب الأمريكي، وإن كان هيكل، داخل هذه المجموعة، أشد حذرا وأقل انكشافا بكثير من الآخرين.
وعلى أية حال فإن الأحداث التالية أثبتت صحة هذا التقسيم إلى جناحين حول عبد الناصر: إذ إن الخلافات بين الجناحين خرجت إلى العلن بعد موت عبد الناصر، وكان فرسان المجموعة المحيطة بالسادات هم هيكل ومحمود فوزي (الذي عينه السادات رئيسا للوزراء)، وبذل هيكل، كما سنرى فيما بعد ، مجهودا خارقا للعادة لكي يفضح المجموعة الأخرى، ويبرر إلقاء السادات بأهم أعضائها في السجون؛ ولكي يثبت أن طريق السادات هو الطريق الصحيح.
وربما تساءل البعض: ما الذي كان يدعو عبد الناصر إلى أن يتعامل مع مجموعتين متنافرتين إلى هذا الحد؟ (لاحظ أن مجموعة عبد الحكيم عامر قد تمت تصفيتها نهائيا بعد هزيمة 1967م)، وهذا سؤال يصعب الإجابة عليه؛ إذ إن ما يبدو للوهلة الأولى، ولأصحاب النوايا الطيبة، هو أن التعامل مع مجموعتين متنافرتين يعطل وضع البرامج وتنفيذ السياسات التي كان يضعها عبد الناصر، وعلى سبيل المثال، فإن الإجراءات الاشتراكية لن تستفيد من وجود أشخاص مثل السادات ومرعي وعثمان أحمد عثمان في قلب النظام، ولا جدال في أن هؤلاء لم يقبلوا تلك الإجراءات إلا خوفا من عبد الناصر أو مسايرة له. وهكذا يظل السؤال قائما، والرد الوحيد الذي أتصوره هو أن نظام الحكم كان بسبب عدم ديمقراطيته، مرتكزا على القوة، والقوة تحتاج دائما إلى توازنات، ومن المفيد، من أجل استقرار النظام، أن تكون هناك مجموعتان تنشغل كل منهما بالأخرى، ويمكن ضرب إحداهما بالأخرى إذا ما تمادت في ممارسة قوتها ... أما تأثير ذلك على مصر، فعلمه عند الله! •••
ثم جاء السادات إلى الحكم، وأصبحت الفرصة متاحة لجناحه لكي يبسط سلطته ونفوذه، وكان أول ما فعله هيكل هو أنه قام بدور رئيسي في تأكيد أحقية السادات بخلافة عبد الناصر على أساس «الشرعية»، أي لأن عبد الناصر هو الذي اختاره نائبا، وهكذا يقول في كتابه الأخير: «أدرنا الحملة الانتخابية للسادات في الاستفتاء على رئاسة الجمهورية (وكان المشرف عليها هو هيكل شخصيا) على أساس أنه كان الرجل الذي اختاره جمال عبد الناصر لهذا المنصب بنفسه حين أحس باحتمال خطر على حياته.»
هل ترى الخدعة أيها القارئ العزيز؟ ألا تشعر بأن عقلك قد أهين عندما تقرأ هذا الكلام؟ لقد أراد هيكل أن يقنعنا من قبل بأن اختيار عبد الناصر للسادات كان مجرد صدفة، ولم يكن مقدرا له أن يدوم أكثر من أسبوع، وكان يرجع فقط إلى أن السادات «عليه الدور»، وكان في ذهن عبد الناصر أن يغير قراره ولكنه انشغل، ولم يكن بقاء السادات نائبا حتى موت عبد الناصر إلا ضربة حظ جعلت الرئيس «ينسى» هذا الموضوع. حسنا، لنصدق هذا كله، ولكن إذا صح أن هذا هو رأي هيكل في الموضوع، فكيف سمح لنفسه بأن يقود الحملة الانتخابية للسادات بحجة تفترض أن اختيار عبد الناصر له كان اختيارا سليما، وحقيقيا، وتعبيرا عن رغبته الأصيلة والدائمة؟ إن هيكل نفسه - تبعا لما قال - لم يكن مقتنعا بهذا الاختيار العارض، بل يبدو أنه ناقش عبد الناصر فيه، فكيف يدير هيكل حملته على أساس أن الاختيار كان أصيلا؟ إن المسألة لا تحتمل إلا أحد أمرين: فإما أن عبد الناصر كان قد اختار السادات؛ لأنه كان مقتنعا به، وعندئذ تكون قصة «الدور» و«النسيان» قصة ملفقة (ويكون عبد الناصر ذاته قد أعطى شعبه أسوأ «هدية» لمستقبل أيامه)، وإما أن عبد الناصر كان قد اختاره بصورة مؤقتة، ولم يكن ينوي أن يحتفظ به إلى النهاية، وفاجأه الموت قبل أن يعدل عن رأيه، وعندئذ يكون هيكل قد أدار حملة السادات الانتخابية على أساس علمية غش كبرى موجهة ضد الجماهير البريئة الذاهبة إلى صناديق الاستفتاء. •••
إذن فقد أصبح السادات، بفضل مؤازرة هيكل وتعاونه معه قلبا وقالبا، رئيسا للجمهورية، ولكن الأمر لم يستتب له على الفور، فقد كان هناك الجناح الآخر، الذي لم يكن مقتنعا بالسادات إلا بوصفه رئيسا انتقاليا، ولم يسكت عن ترشيحه إلا لكي يتم عبور تلك اللحظات الحرجة التي أعقبت وفاة جمال عبد الناصر بسلام، وهكذا بدأت الاختلافات والمناوشات والانقسامات، وكان الخلاف محتدما على أشده بين الجناح الناصري التنفيذي، الذي كان أكثر عددا وأقوى رسوخا بكثير، وبين الجناح الساداتي، الذي كان يتمتع بميزة هامة، هي كرسي رئاسة الجمهورية (وهو أمر له أهميته القصوى في نظام حكم غير ديمقراطي)، وكذلك دهاء أقطابه وحنكتهم السياسية، وعلى رأسهم هيكل.
المهم أن الصراع أسفر في النهاية عن انتصار ساحق، وشديد السهولة، للجناح الساداتي على الجناح الآخر الذي كان، رغم سيطرته على أهم مرافق الدولة ومعظم التنظيمات السياسية، يدير دفة الصراع بقصور شديد، وبعد أن حسمت نتيجة الصراع لصالح السادات فيما عرف بحركة التصحيح (وفيما بعد: ثورة التصحيح) في 15 مايو 1971م، أي بعد ستة أشهر من اعتلاء السادات الحكم، أصبح الطريق مأمونا، وكتب هيكل مسجلا موقفه من هذا كله «بصراحة»، ومن المهم جدا أن نتابع هذا الذي كتبه هيكل في تلك الفترة لعدة أسباب:
أولا:
أن هذه الفترة تمثل منعطفا حاسما في السياسة المصرية، تحددت فيه بالتدريج معالم الخط المميز لحكم السادات في السبعينيات وأوائل الثمانينيات.
অজানা পৃষ্ঠা