কাম উমর ঘাদাব
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
জনগুলি
ثالثا:
من الممكن أن يدرك المرء، حين يعمل فكره قليلا، أن معظم أصحاب هذا المبدأ، يقومون بعملية إسقاط لخلافاتهم الصغيرة في العمل، ومنافساتهم الشخصية مع جنسيات عربية أخرى في نطاق العلاقات الفردية الضيقة، على موقفهم السياسي العام، فكل منهم يتصور أن ظهور نقد للأوضاع المصرية في جريدة صباحية، سيجعل زميله أو رئيسه العربي في المكتب أو المصنع، يكسب نقطة على حسابه حين يفتح الجريدة، وينتهز الفرصة للتشفي منه، وهذه نظرة طفولية ضيقة، تخلط بين العلاقات الشخصية والشئون الوطنية العامة، وإن كانت للأسف واسعة الانتشار، حتى على أعلى المستويات.
إن هذا الخلط بين المستوى الشخصي للسلوك، وبين تقييم العمل السياسي العام، هو آفة من أخطر الآفات في تفكيرنا المعاصر، وهو علامة واضحة على أن تربيتنا السياسية بعيدة كل البعد عن ذلك النضوج، الذي لا بد منه لقيام نهضة حقيقية، وسوف تتاح لنا، خلال معالجتنا لجوانب الموضوع الذي نتناوله في هذه الدراسة، فرص كثيرة لرؤية أمثلة أخرى لهذا الخلط، ويكفي أن نقول الآن إن الكلام عن «التشفي» أو «الشماتة»، حين يكون الأمر متعلقا بالسياسة العامة لبلد من البلاد، هو مظهر للبدائية في التفكير، أما «نشر الغسيل» وهو للأسف تعبير ما زال يستخدمه مسئولون كبار - فهو تعبير مضحك ومؤسف في آن واحد، وليقل لي هواة هذه التعبيرات: هل سمع أحد منكم واحدا من أنصار ريجان أو ميتران يتحدث، في معرض تقييمه لسياسة بلاده، عن «الغسيل»؟
إن الفكرة الكامنة من وراء هذا هي فكرة «الستر»، وهي مبدأ أخلاقي مذموم حتى على المستوى الفردي، ففي أخلاقنا الشعبية نزوع شديد إلى التغطية على العيوب، إلى درجة أن افتضاح هذه العيوب ومعرفة الآخرين بها هو في نظرنا شر يفوق العيوب نفسها، وكثيرا ما نتصرف بحيث نتغاضى عن أخطر أنواع الآثام ما دامت «مستورة»، ومن هنا كان «الستر» أمنية غالية في تعبيراتنا الشعبية المألوفة، ولكن الخطأ الفكري والأخلاقي يتضاعف، حين ننقل هذا المبدأ إلى ميدان السياسة، فندعو مواطنينا إلى السكوت على أوضاع جائرة، حتى لا تفتضح أمام الآخرين، ونطالبهم بألا «ينشروا الغسيل»، بدلا من أن نطالب أنفسنا بأن نبقي غسيلنا نظيفا على الدوام.
وهكذا تكشفت ردود الفعل على كتاب هيكل، عن أخطاء فكرية فادحة، ترسخت في عقولنا وسرت فيها مسرى البديهيات التي لا تناقش، ويتبين لنا أن توحيدنا بين تصرفات الحاكم وبين سمعة بلاده، هو أبلغ دليل على أن لعبة الحاكم الفرد لا تقتصر على من يمارسها بنفسه، بل إن الذين تمارس عليهم هذه اللعبة قد اندمجوا فيها، وانتقلت عدواها إليهم دون أن يشعروا، وأن الخاضع للاضطهاد قد تقمص الكثير من أفكار من يضطهده، وأن الطغيان أصبح جزءا من تكوين المحكوم، لا الحاكم وحده، إلى حد أنه أصبح يوحد نفسه، وبلده، وكرامته ومكانته، مع شخص الحاكم المطلق، ويقدم بتفكيره الخاص، أقوى دعامة لذلك الاستبداد الذي يكتوي بناره ليل نهار.
الفصل الثالث
لعبة الأحياء والأموات
حين نمضي في رحلة الكشف عن مظاهر تزييف الوعي، وانهيار العقل والمنطق، كما تمثلت في ردود الفعل على كتاب هيكل، ستظهر لنا أمثلة أخرى مؤسفة لذلك الخلط، الذي أصبح سائدا على كافة الأصعدة، بين أساليب الناس في التعامل معا على المستوى الشخصي، وأساليبهم في النظر إلى أمور المجتمع العامة على المستوى السياسي، ولكنا سنكتشف أيضا أن قدرة المزيفين على الخداع، وصلت إلى حد من الجراءة، بل من الصفاقة، يفوق كل تصور، وأنهم ما كانوا ليبلغوا هذا المدى، لو لم يكونوا قد اعتادوا النظر إلى الجمهور على أنه قطيع ينقاد، بلا عقل، في أي اتجاه يفرض عليه، وهذا التعالي على الناس، والاعتقاد بأن أية أكذوبة يمكن أن تمر عليهم، ليس إلا النتيجة الطبيعية لجو القهر المخيم منذ أمد بعيد، والذي أشاعه عهد لا يجعل للجمهور من دور سوى التصفيق والتصديق.
لنستمع إلى كاتب كبير كان له يوما دور بارز في الحركة الوطنية المصرية، ولكنه انجرف في تيار التضليل السياسي منذ السبعينيات، يعلق على كتاب هيكل فيقول: «لقد اغتالوا حياته في 6 أكتوبر، عيد انتصاره الحربي، وفي 25 أبريل عيد انتصاره السلمي يحاولون اغتيال سمعته ... إننا نصغر في عيون الآخرين، ويبدو بعض كتابنا بلا وفاء، يحركهم الانتقام وتضطرب في أيديهم الموازين. إن ما كتبه هيكل ليس تحليلا، إنما هو التشهير بعينه، هو الاعتداء على حرمة رئيس مات، وعلى سمعة وطن بأسره. من قال إن كاتب التاريخ من حقه أن يهدر الحرمات، ويشهر بسمعة الرجال والنساء بلا دليل؟ من قال إن كتابة التاريخ تعني العدوان على سمعة الذين هم في ذمة التاريخ؟ ومتى كانت كتابة التاريخ تمزيقا للأشلاء؟»
1
অজানা পৃষ্ঠা