কালিমাত ফি মাবাদি ইলম আখলাক
كلمات في مبادئ علم الأخلاق
জনগুলি
ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها ،
بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره ، ثم لا يكتفي بأن يجعل هذه البصيرة قوة كاشفة معرفة؛ بل يجعلها آمرة ناهية، وينعى على من يخالفها بأنه من أهل الضلال والطغيان:
أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون
هذه القضية المنفصلة لا تدع مجالا للشك في وجوب الخضوع لأوامر الأحلام والعقول، متى اتضح أمامها طريق الحق والخير. وكذلك يقول صاحب الرسالة الباهرة صلوات الله عليه: «إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من نفسه يأمره وينهاه.»
وبعد فما لي أراك ها هنا في شيء من الدهشة والاضطراب، كأنك تخشى أن نكون في هذه القضية قد أقدمنا على أمر خطير؟ لعلك سمعت بعض أهل العلم يقولون إن تحكيم العقول في حسن الأفعال وقبحها إنما هو مقالة أهل الاعتزال، وإن أهل السنة لا يرون للأفعال في نفسها حسنا ولا قبحا، وإنما الحسن ما أمر به الشرع، والقبيح ما نهى عنه الشرع!
ألا فاعلم أنه ليس في الدنيا عاقل: أشعري ولا معتزلي ولا غيرهما، ينكر ما منحه الله للإنسان من ملكة التمييز بين الأفعال والحكم عليها بالحسن أو القبح، بمعنى أن بعضها يعد صفة كمال، وبعضها يعد صفة نقص، أو أن بعضها يقبله الطبع المستقيم، وبعضها يمجه الذوق السليم، أو أن بعضها يمدح فاعله، وبعضها يذم مرتكبه ... فلذلك كله مما لا جدال فيه، وإنما الجدال الذي سمعت خبره بين الأشاعرة والمعتزلة كان في شأن آخر: وهو أن هذه الأحكام التي تصدرها عقولنا، هل تجزم بمطابقتها للواقع وبأنها هي حكم الله في نفس الأمر؟ وهل نعتقد أن الله كلفنا باتباعها، وسيحاسبنا عليها، ويجزينا بها مثوبة أو عقوبة، من قبل أن يرسل بها رسولا من عنده، أو ينزل إلينا بها كتابا نقرؤه؟ أم أننا ينبغي لنا ألا نتخذ أحكامنا مرآة صادقة لأحكام الله، ولا نجترئ على القول بأنها مقياس أمره ونهيه، إلا أن يبعث إلينا بسلطان من عنده، يقرنا عليها، ويلزمنا بقضيتها؟
هذا هو محل الخلاف هناك. ولكنه ليس مجال بحثنا هنا، وإنما الذي يعنينا في هذا المقام هو اتفاق الطرفين على أن الإسلام يقرر للعقل سلطانا أدبيا بالمعنى الإنساني الذي شرحناه آنفا، وهو المعنى الذي زعم علماء أوروبا أنهم اكتشفوه في المذاهب الفلسفية خاصة. هذا السلطان الأدبي الذي يسميه الفلاسفة «سلطان الضمير» يعترف الإسلام به على استقلاله وكماله في الفترة التي تسبق قيام الشريعة ووصولها إلى من وجهت إليه، كما بينا.
يبقى البحث في نظرة الإسلام إلى هذا السلطان العقلي، في أثناء نزول الشريعة السماوية وبعد تمامها: هل متى نزلت الشريعة وبلغت أهلها أصبح أمرها ناسخا لأحكام العقل وأوامره، كما يبطل التيمم بحضور الماء؟
كلا، إن النور لا ينسخ النور، ولكنه إما أن يؤكده ويؤيده، وإما أن يغذيه ويرفده، وإما أن يكمله ويزيده.
وتفصيل ذلك أن شئون الإنسان على ثلاثة أضرب: منها ما للعقل فيه مجال واضح، وحكم حاسم. وهو الأصول التي لا تتعارض فيها الأنظار ولا يختلف فيها اثنان؛ كحسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار، ونبل الإحسان في رد الإساءة، ولؤم الإساءة في جزاء الإحسان ... فيجيء الشرع في هذه المواضع مقررا لحكم الفطرة ومؤكدا. ومنها ما للعقل فيه نور ضئيل تغشاه الظلال، وتخالطه الأوهام. وهو مواضع الشبهات العقلية؛ كالخمر، والربا، والصدق الضار، والكذب النافع، واستبقاء الحياة المعذبة مع اليأس، والتضحية بها في سبيل الواجب مع القدرة على حفظها ... فهنا يجيء الشرع إمدادا لنور العقل، بترجيح جانب الحكمة والرشد فيه وتصحيح أخطاء الوهم التي تخالطه وتغشاه. ومنها ما لا مدخل للعقول فيه بإطلاق؛ كتفصيل أنواع العبادات وكيفياتها ومقاديرها ... فيكون ورود الوحي بها مكملا لما فات العقل إدراكه، ماحيا للظلمة التي تركها وراء حدوده. وهكذا يكون للفطريين الذين لا يتبعون إلا شريعة العقل، نور واحد، ويكون لأتباع الشرائع السماوية نوران اثنان، كما قال سبحانه:
অজানা পৃষ্ঠা