أسلوب في الأدب والحب عند ولي الدين يكن، يلتقي مع أسلوب مماثل عند الرافعي. واستمع له هو الآخر وهو يوجه الخطاب بعد المقدمة الشعرية إلى مي فيقول:
يا نسمة في ضفاف النيل سارية
مسرى التحية من ناء إلى ناء
يا ليت رياك مست قلب هاجرتي
فتشعريه بمعنى رقة الماء
ليست تحب سوى ألا تحب فما
أعصى الدواء على من حبه دائي!
هذا، وإن النفس لتنازعني إليك، ولكن لم أتطفل على أحد من قبلك ولن أتطفل عليك مرتين، نقول الشمس والقمر والنجوم، فإذا أنت تريدين أن نراك من مرصد فلكي! وأي بليغ يراك ولا يعرف فيك فنا جديدا في حسن معانيه ومبانيه، ويعرفك ولا يرى فيك أبدع البديع فيما يعانيه من افتنانه؟ لله الحمد أن جعلنا نتلقى الماء ولم يجشمنا أن نصعد من أجله السماء!
أسلوبان كلاهما في الحب ذليل وفي الأدب مصنوع، وكم قلت لنفسي وأنا أستعرض ما فيهما من المواكب اللفظية، المواكب التي كانت تمر تحت شرفة مي، وهي تقدم تحية المقهور وولاء التابع وضراعة المبتهل: أتكون مي قد نظرت إلى الرجلين نظرة المرأة المدلة بكبرياء الأنوثة إلى كل حب ذليل؟ أم تكون قد نظرت إليهما كأديبين نظرة الأديبة المعتزة بشرف الثقافة إلى كل أدب غير خلاق؟ فرضان إذا وضعتهما تحت مجهر الفكر لم يظفر أحدهما بما ينشده الباحث من وسائل الإقناع. تريد أن تطمئن إلى كلا الفرضين فيقلقك هذا الخاطر الذي يثب من مكمنه ليعترض عليك: ألم يكن في حياة مي محب كريم على نفسه؟ محب لا تنحني بين شفتيه ظهور المعاني ولا تخر على قدميها الكلمات؟ ألم يكن في حياة مي أديب تثق بفنه؟ أديب لا تختنق في أدبه الأخيلة تحت ضغط الصنعة المسرفة، ولا تتحول الصور إلى جثث محنطة قد أطبقت عليها توابيت الألفاظ؟ يعترض هذا الخاطر فلا تملك إلا أن تعترف بالواقع، الواقع الذي يشير في حياة مي إلى وجود جبران ... وعندئذ تتبخر في الفضاء كل الظنون وتنهار تحت أقدام الفكر كل الفروض!
لقد كانت طبيعتها الأنثوية واحدة هنا وهناك؛ فتور عجيب يزلزل في نفسك قوائم الإيمان بأنها كانت امرأة، امرأة يضطرب بين جنبيها الإحساس الخالد بالأنوثة، وينطلق من وجودها الداخلي نداء الأعماق. إن بين أيدينا رسائلها ورسائله، فتعال نبحث بين السطور عن أثر الأنثى الطبيعية، وتعال بعد ذلك نفتش بين ركام الألفاظ عن المفتاح؛ المفتاح الذي نديره في ثقب الباب المغلق ليفتح على مصراعيه، إذا لم يؤمن الذين نادوا بحب مي لجبران بنتيجة الطرق العنيف!
অজানা পৃষ্ঠা