সাহিত্যে কথামালা

আনোয়ার মাকদাউই d. 1385 AH
47

সাহিত্যে কথামালা

كلمات في الأدب

জনগুলি

أوجه التقصير القليلة في هذا الكتاب القيم، تتركز في بعض المواقف التي ينفصل فيها «الناقد» عن نفسه «كباحث»، ناسيا وهو يجوب العمل الفني من داخل، أثر الهزات الخارجية التي طبعت المضمون الاتجاهي بطابعها الخاص؛ عندئذ نواجه الملكة الناقدة، وهي ترصد الظاهرة أو تضع يدها على المشكلة، دون أن تنفذ إلى ما وراءهما من عوامل خارجية، وجهت خط سير العمل الفني إلى مصير موضوعي محدد.

ونترك المقدمة الطويلة التي مهد غالي شكري لبحثه، لنلتقي بعدها أول ما نلتقي بالبداية الحقيقية لجوهر هذا البحث، وهي: «أزمة الجنس في القصة العربية» إن غالي شكري كباحث يقرر: «إن أي مجتمع حديث يعتبر وليدا لما سبقه من مجتمعات، فالحضارة القائمة في عصرنا هي ابنة العصور الذاهبة، مضافا إليها ما استجد من ظروف التقدم؛ لذلك يتحتم أن نبحث أولا عن جذور تراثنا، قبل أن نبحث أزمة الجنس في القصة العربية الحديثة، فليس من شك أننا ورثنا الكثير من مقومات الحياة المادية والقيم الفكرية القديمة، حتى إنه يلزم لنا أن نغوص في أعماق التكوين الاجتماعي لحضارتنا، منذ اللحظة التي قامت فيها دولة للرقيق، ولعبت الجواري والقيان دورا كبيرا في حياة المجتمع العربي، حينذاك راح الشعراء يصورون العلاقات الإنسانية الناشئة في مثل تلك الدولة، العلاقات الشاذة والطبيعية على حد سواء، وبرزت دلالات جديدة للعلاقة الجنسية، استمدت مضمونها ومحتواها من جوف البنيان الحضاري الجديد.»

بمثل هذا التصور المدرك لقوى الدفع الموجهة لكل واقع حضاري يعيشه مجتمع من المجتمعات، وضع غالي شكري نقطة البدء، ليتخطاها بعد ذلك إلى مرحلة الشواهد والتطبيق؛ لقد استشهد أولا ببغداد أيام الحكم العباسي، ثم بالقاهرة أيام الحكم الفاطمي، في كلتا العاصمتين كان هناك بيوت للإثم ودور للدعارة، تديرها النساء الساقطات بطريقة رسمية تحت حماية الدولة، حيث كانت تجبي عليها الرسوم؛ وفي تلك الفترة - وعلى الأخص في مصر الفاطمية - كانت سهولة الطلاق تغري الكثير من الرجال على أن يتزوج الواحد منهم في عشر سنوات نحو عشرين أو ثلاثين زوجة، وتغري الكثير من النساء على أن تكون الواحدة منهن زوجة لاثني عشر زوجا، حيث تترك هذا لتقترن بذاك. هي إذن تركة ورثها مجتمعنا على مر الأجيال، فما يزال الطلاق منتشرا؛ وما يزال منتشرا كل ما يترتب عليه من نتائج وخيمة عمادها الزنا والبغاء!

وينتهي غالي شكري من هذا التمهيد إلى تقرير هذه الحقيقة، وهي أن الخيوط الناسجة لثوب الواقع العربي في مختلف أقطاره، وإن تشابهت تقريبا في نوع النسيج، إلا أنها تختلف أحيانا من حيث اللون، حتى لتختلف تبعا لذلك - في نطاق معنى الجنس - السمات الغالبة على الأدب في لبنان، عن السمات الغالبة على الأدب في مصر. وهنا يستشهد الباحث الناقد بقصة امرأة قروية، كانت تمارس البغاء في المدينة للكاتب اللبناني توفيق يوسف عواد، وهي قصة قصيرة عنوانها «المقبرة الدنسة»، ويخرج منها بأنها إذا كانت تعبيرا صادقا للمشاعر، التي تنتاب أهل القرية اللبنانية تجاه امرأة ضلت الطريق، فهي تختلف من حيث الجو، وتصوير تلك المشاعر الإنسانية عن القرية في مصر. ويستشهد مرة أخرى بقصة ثانية لتوفيق عواد عنوانها «الشاعر»، وقصة ثالثة لخليل تقي الدين عنوانها «الإعدام»، على أن المرأة الأجنبية - كخط اتجاه موضوعي من خطوط العمل القصصي - كان لها دور ملحوظ في الأدب اللبناني.

بعد ذلك ينتقل غالي شكري إلى القصة العربية في مصر، ليلتقي «بالفنان الذي أرخ لفجر الرواية المصرية بقصة زينب. نجح الدكتور هيكل في هذه الرواية نجاحا باهرا - إذا لم نغفل العامل الزمني - في أن يرسم ببراعة، الصورة الرومانسية للجنس، وقد صدرت القصة عام 1914؛ أي ذلك التاريخ الذي كانت تعاني فيه مصر أزمتها التاريخية بداية الحرب العالمية الأولى، وكان النظام الإقطاعي المهيمن على أشكال الحياة المصرية، يخيم في الوقت نفسه على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد؛ لهذا كان حامد - بطل قصة هيكل - رمزا لشباب ذلك الجيل المعذب، بين مثله العليا المستمدة من ثقافة الغرب، وبين الأوضاع السيئة السائدة آنذاك في المجتمع المصري». ومن خلال عرض سريع لأحداث قصة زينب، يشير الناقد - وأقول الناقد فقط - إلى أن القارئ لا يعثر على موقف جنس صريح في القصة؛ لأن العلاقة بين الرجل والمرأة في ذلك المجتمع لم تكن نفسها صريحة، وما نلاحظه في الرواية من أحاديث «عن» الجنس، تكتسي بثوب فضفاض من الحياء والتخفي؛ لأن نظرة العصر والمجتمع إلى هذا الموضوع، كانت هي بعينها نظرته إلى سائر الأشياء: نظرة ضبابية غائمة تحيل كافة المرئيات والعلاقات، إلى ألوان باهتة غير واضحة.

من وراء هذه اللمسات النفاذة نلمح - كما سبق أن قلت - الناقد فقط، الناقد وهو يقف وحده في ميدان يستوجب وجود الباحث، ليفسر الظواهر والمشكلات؛ لقد ظهرت قصة زينب عام 1914، وهي قصة رومانسية، ونحن لا نعثر فيها بوضوح على موقف جنس بعينه، ولقد كانت نظرة العصر والمجتمع إلى هذا الموضوع، نظرة مغلفة بالغيم موشحة بالضباب؛ نحن في حاجة إلى أن نفسر هذا كله، وأن نرده إلى أسبابه ودوافعه، نحن في حاجة إلى الباحث الذي يحدثنا عن طبيعة الوعاء الاجتماعي، الذي استقرت بداخله الظاهرة أو المشكلة، واستمدت تبعا لذلك من استقرارها لون هذا الوعاء.

أدبنا المعاصر في الربع الأول من القرن العشرين، يبدو من خلال النظرة الدارسة والمتأملة، وهو متشح بأثواب الرومانسية تأليفا وترجمة؛ لماذا اندفع أدبنا بالأمس القريب إلى هذا الاتجاه، أو لماذا سار أدباؤنا - والشباب خاصة ومنهم هيكل - في هذا الطريق؟ طريق أدب الحلم والوهم والعاطفية المرهفة، والميل إلى الحزن والتفكير في الموت، والهيام بالطبيعة والإيمان بالغيبيات، والولع بالفروسية والإعجاب بالبطولة؛ كان الاتجاه الرومانسي هو الغالب والمسيطر على اختيار أدبائنا المترجمين، وعلى أذواق الجماهير القارئة التي كانت تقبل إقبالا كبيرا على هذا اللون من الأدب. لقد كان أدباؤنا يترجمون عن الفرنسية في ميدان الأدب الروائي، وكانت أمامهم كل الأعمال الفنية للكتاب الفرنسيين وغيرهم، وهي تمثل مختلف المذاهب والاتجاهات، ومع ذلك نراهم ينبذون الكلاسيكية والواقعية والطبيعية، ويقصرون مختاراتهم المترجمة على الأدب الرومانسي وحده؛ نرى المنفلوطي وهو ينقل لنا «بول وفرجيني» لبرناردين دي سان بيير، و«ماجدولين» لألفونس كار، ثم قصة «في سبيل التاج» التي تمثل البطولة الرومانسية ليهديها إلى «البطل» المصري سعد زغلول. ونرى أحمد حسن الزيات وهو ينقل لنا «رفاييل» و«آلام فرتر» لجيته. ونرى حافظ إبراهيم وهو ينقل لنا «البؤساء» لفكتور هيجو. وفي الاتجاه نفسه يسير الدكتور أحمد زكي، فيقدم «غادة الكاميليا» لألكسندر ديماس، ثم حسن صادق فيقدم «أدولف» لبنجامان كونستان، وعلي أدهم عندما ترجم «رينيه» لشاتوبريان، وكل هذه الأعمال الروائية تمثل الأدب الرومانسي خير تمثيل.

هكذا كان أدبنا في ميدان الترجمة، أما في ميدان التأليف فقد سار في الطريق نفسه واصطبغ بنفس اللون وحمل نفس الشعارات؛ المنفلوطي حين يؤلف محاولا أن يكتب فصولا، يسلك فيها مسلك كتاب القصة يبدو وهو رومانسي مسرف في كتابه «العبرات»، ولعل هذا العنوان الذي اختاره لذلك الكتاب، كان نتاجا تأثريا للنزعة الرومانسية. ومحمد حسين هيكل في قصته «زينب»، يطالعنا ببعض الخصائص الفنية التي نعرفها عن الأدب الرومانتيكي الفرنسي، ومن هذه الخصائص ذلك الهيام بالطبيعة، وهو يتغنى بجمال الريف، وتلك العاطفية المرهفة وليدة الحرمان في قصة حب بريء، وتلك الشاعرية الأسلوبية الناتجة عن الإغراق في الخيال. ولا ننسى إيمان بطل القصة بالغيبيات حين يلجأ - ليطهر روحه من أدران الإثم - إلى أحد مشايخ الطرق، وأن البطلة قد مرضت بالسل وماتت على طريقة غادة الكاميليا لألكسندر ديماس.

وشباب الشعر في ذلك الحين - علي محمود طه وإبراهيم ناجي ومحمد عبد المعطي الهمشري - لا نكاد نسمع منهم إلا نغمات حزينة وملتاعة؛ نظرتهم إلى الوجود كانت من خلال منظار قاتم، تذوقهم للحياة كان مغلفا بالضيق والكآبة والشكوى والشعور المرير، وهم في النهاية ككل الرومانسيين الصادقين يهربون من قسوة الواقع إلى رحمة الخيال، ولا يجدون ملجأ إلا في رحاب الطبيعة، الأم الحانية التي تمثل الواحة الظليلة لكل المكتوين بلفح الهجير. وما أكثر الكلمات التي تطوف في شعرهم حول الموت؛ الموت الرومانتيكي المتركز في الشعور بالهزيمة أمام عدو قاهر هو الحياة.

مجتمعنا المصري في الربع الأول من القرن العشرين، مسئول عن صهر الكاتب والشاعر في بوتقة المشاعر الحزينة والنظرة القاتمة، لقد كانت المحنة على التحقيق محنة المثقفين، أولئك الذين كانوا يعرفون عن طريق الثقافة والاطلاع والوعي أن مجتمعهم تسيطر عليه قوى قاهرة، لا ميل لهم بمقاومتها والوقوف في وجهها. كانت هناك قوى الرجعية والاستعمار والإقطاع، وطغيان الملكية وسيطرة التقاليد العتيقة. ومعنى هذه القوى الباطشة بالنسبة إلى المثقفين - وما كان في تلك الفترة - معناها الحرمان من حرية الرأي والسلوك والعقيدة والمقاومة، والشعور الطليق بالحياة. من هنا امتلأت نفوس المثقفين بالحزن، وتذوق وجودهم طعم الموت، فمضوا يمضغون أشجانهم في الشعر، ويجترون آلامهم في القصة، ويعبرون عن هزيمتهم في حدود المشاعر الفردية. ومن هنا - كما سبق أن قلت - هربوا من قسوة الواقع إلى رحمة الخيال؛ إلى هذا الأدب الرومانسي الذي كان انعكاسا مباشرا لشعورهم بوطأة الجو الخانق الذي يعيشون فيه، والذي كان تقليدا اتجاهيا للأدب الرومانتيكي الفرنسي، الذي قرءوه وترجموه وتأثروا به. وكما تأثر هيكل في قصة «زينب» بقصة «غادة الكاميليا» لديماس، فقد تأثر علي محمود طه في بعض أشعاره الأولى بنتاج الشعراء الرومانسيين الفرنسيين. ومن الطبيعي - تبعا لهذا التأثر أو ذلك التقليد - أن يجيء الحب في قصة هيكل حبا بريئا مطهرا من الإثم، كما شاءت له الرومانسية أن يكون، وقد كان كذلك في شعر علي محمود طه الأول. هذا جانب من تفسير الظاهرة، ويبقى جانب آخر، هو سيطرة التقاليد العتيقة داخل الأسرة والمجتمع في ذلك الحين. لقد وضعت تلك التقاليد على وجه المرأة حجابا حتى لا يراها الرجل، والواقع أنها لم تحجب بذلك رؤية الرجل البصرية للمرأة، وإنما حجبت في الوقت نفسه رؤيته العقلية والوجدانية، تبعا لتلك القيود الصارمة التي وقفت كجدار فاصل بين الشباب من الجنسين. من هنا - وحفاظا على حرمة آداب المجتمع وتقاليده - خفت صوت الجنس في القصة المصرية الأولى والشعر المصري الأول، واكتسى كما يقول غالي شكري - دون تفسير - بثوب فضفاض من الحياء، واكتسب تلك النظرة الضبابية!

অজানা পৃষ্ঠা