من لا إخوان له لا أهل له، ومن لا ولد له لا ذكر له: ومن لا مال له لا عقل له، ولا دنيا ولا آخرة له: لأن الرجل إذا افتقر قطعه أقاربه وإخوانه: فإن الشجرة النابتة في السباخ، المأكولة من كل جانب، كحال الفقير المحتاج إلى ما في أيدي الناس.
ووجدت الفقر رأس كل بلاء، وجالبًا إلى صاحبه كل مقت، ومعدن النميمة. ووجدت الرجل إذا افتقر اتهمه من كان له مؤتمنًا، وأساء به الظن من كان يظن فيه حسنًا: فإن أذنب غيره كان هو للتهمة موضعًا. وليس من خلة هي للغني مدح إلا وهي للفقير ذمٌ، فإن كان شجاعًا قيل: أهوج، وإن كان جوادًا سمّي مبذرًا، وإن كان حليمًا سمي ضعيفًا، وإن كان وقورا سمي بليدًا. فالموت أهون من الحاجة التي تحوج صاحبها إلى المسألة، ولا سيما مسألة الأشحاء واللئام: فإن الكريم لو كلف أن يدخل يده في فم الأفعى، فيخرج منه سمًا فيبتلعه كان ذلك أهون عليه وأحب إليه من مسألة البخيل اللّئم. وقد كنت رأيت الضيف حين أخذ الدنانير فقاسمها الناس،