فصل
ذكر الحافظ محمد بن طاهر في كتاب ((صفة التصوف))، في باب تمزيق الرداء، حديثا رواه عن أبي منصور محمد بن عبد الملك المنقري بسرخس، عن الفضل بن منصور بن نصر الكاغدي، عن الهيثم بن كليب الشاشي، عن عمار بن إسحاق، عن سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، قال:
পৃষ্ঠা ৩১
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزل جبريل، فقال: ((إن فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام)).
ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: ((أيكم ينشدنا))؟ فقال بدوي: نعم يا رسول الله!
فأنشأ يقول:
قد لسعت حية الهوى كبدي ... فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شغفت به ... فعنده رقيتي وترياقي
فتواجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتواجد أصحابه، حتى سقط رداؤه، فلما فرغوا أوى كل واحد إلى مكانه.
فقال معاوية: ما أحسن لعبكم يا رسول الله! قال: ((مه يا معاوية! ليس بكريم من لم يهتز عند سماع الحبيب)).
ثم اقتسم رداءه من كان حاضرا أربعمائة قطعة.
قال ابن طاهر: ((الحديث في دخول الفقراء قبل الأغنياء الجنة صحيح، وما بعد ذلك فتفرد به عمار عن سعيد بن عامر))، انتهى كلامه.
وهذا الحديث باطل موضوع، لا يشك أحد من أهل العلم في بطلانه، ولا يحل لأحد مما ينسب إلى العلم أن يذكره إلا طاعنا فيه ومبينا لبطلانه.
পৃষ্ঠা ৩২
قال الإمام سيف الدين ابن المجد رحمه الله: ((لا تعصب أبلغ من إيراد هذا الحديث الذي لا يخفى وضعه على الجهال، فنعوذ بالله من الخذلان، فلو جفت يده عن كتابته لكان خيرا له، وقد نظرت في شيوخ الهيثم بن كليب فلم أر فيهم شيخا يقال له عمار بن إسحاق، ولعل شيخ ابن طاهر اختلقه)).
وأما قوله: إن أول الحديث صحيح؛ فإنما صح من حديث عبد الله بن عمرو، ولفظه: ((إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا))، رواه مسلم.
وصح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل فقراء المسلمين الجنة [قبل أغنيائهم] بنصف يوم، وهو خمسمائة عام))، أخرجه الترمذي.
পৃষ্ঠা ৩৩
أما من حديث أنس فلم يصح، بل رأيته في رواية ثابت بن محمد، عن الحارث بن النعمان، عن أنس مختصرا.
পৃষ্ঠা ৩৪
وقد وقعت على فتيا مضمونها:
((ما يقول أئمة الدين وعلماء المسلمين في حديث رواه الشيخ شهاب الدين السهروردي في عوارف المعارف، فقال: أخبرنا أبو زرعة طاهر، عن والده أبي الفضل الحافظ المقدسي -يعني محمد بن طاهر- أنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المنقري بسرخس، أبنا أبو علي الفضل بن منصور الكاغدي السمرقندي، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس .. .. ))، فذكر الحديث المتقدم؛ هكذا بهذا السند.
فرأيت عليها بخط الإمام شيخ الإسلام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي رحمه الله:
((الجواب وبالله التوفيق: وهو أن هذا الحديث غير صحيح، لأمور:
أحدها: أن محمد بن طاهر وإن كان حافظا فلا يحتج بحديثه؛ كما ذكره السمعاني عن جماعة من شيوخه أنهم تكلموا فيه ونسبوه إلى مذهب المباحية، وعنده مناكير في كتابه المسمى بصفة أهل التصوف، وهذا الحديث منها، وله في إباحة اللهو والغناء والرقص مناكير، روى فيه عن مالك وغيره من أئمة الهدى المتقدمين حكايات عنهم منكرة باطلة قطعا، وقال محمد بن ناصر: محمد بن طاهر ليس بثقة.
পৃষ্ঠা ৩৫
وقد قيل: إن هذا الحديث اتهم بوضعه الفضل بن منصور الكاغدي السمرقندي؛ أو من وضعه عليه.
ثم إن هذا الحديث من رواية من وراء النهر، وهم كثيرو الغرائب التي لا تعرف والموضوعات، وقال بعض الحفاظ ممن ورد تلك البلاد: أهل تلك الناحية كثيرو الغرائب والمناكير، أو نحو هذا.
পৃষ্ঠা ৩৬
الثاني: الواقف على متن هذا الحديث يظهر له أنه [مصنوع] موضوع، لأن الشعر الذي فيه لا يناسب شعر العرب، ولا يليق بجزالة شعرهم وألفاظهم، وإنما يليق بشعر المولدين، يدرك ما ذكرناه بالذوق الضروري من له خبرة بشعر العرب والمولدين، وكذلك ألفاظ متن الحديث لا يليق بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولا بكلام أصحابه، وكذلك معناه لا يليق بهم؛ للذي صح عندنا من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحوال أصحابه من الجد والاجتهاد وحسن الهيئة.
وكذلك تمزيق الرداء على أربعمائة قطعة لا يليق بهم، وكيف يفعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نهى عن إضاعة المال؟ كل ذلك يبعده الحس، وينفر منه النفس، حتى ذكر الشيخ شهاب الدين السهروردي هذا الحديث مستدلا به، ثم قال: ويخالج فكري أنه غير صحيح، ويأبى القلب قبوله.
الثالث: أن هذا الحديث مما ينكره قلوب العلماء، ويقشعر منه جلود الفضلاء، وما كان كذلك فلا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل قوله عليه السلام: ((إذا حدثتم عني بحديث تعرفونه ولا تنكروه فصدقوا به، وما تنكرونه فكذبوه)).
পৃষ্ঠা ৩৭
فأما حديث: ((يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمسمائة عام))؛ فهو حديث صحيح، رواه الترمذي عن أبي هريرة، والله أعلم.
كتبه عبد الرحمن المقدسي الحنبلي، والحمد لله وصلى الله محمد وآله وسلم))، انتهى كلامه.
وكتب تحته الإمام العلامة محيي الدين أبو زكريا النواوي رحمه الله:
((الحمد لله، الحديث المسؤول عنه باطل، لا تحل روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويعزر من رواه عالما بحاله تعزيرا بليغا، ولا يغتر بكونه في عوارف المعارف وغيره، والله أعلم.
كتبه يحيى النواوي)).
كذا أجابا رحمهما الله، ولم يتعرضا لما سقط من السند كما ترى، والفتيا بخط شمس الدين ابن طرخان، وقد أسقط المستفتي ثلاثة أنفس من السند.
পৃষ্ঠা ৩৮
وللإمام أبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم المالكي كتاب في ((كشف القناع عن مسائل الوجد والسماع))، ذكر هذا الحديث، وأجاب فيه بما أجاب الشيخ شمس الدين بعينه، فكأن الشيخ نقله منه، والله أعلم.
পৃষ্ঠা ৩৯