129

فقه العبادات على المذهب الحنفي

فقه العبادات على المذهب الحنفي

জনগুলি

لغة: الإمساك عن الفعل أو القول، بدليل قوله تعالى: ﴿إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًا﴾ (١) .
شرعًا: الإمساك عن المفطرّات، حقيقة أو حكمًا (٢)، في وقت مخصوص (من طلوع الفجر إلى غروب الشمس)، من شخص مخصوص مع النية.

(١) مريم: ٢٦.
(٢) الإمساك حكمًا: كمن أكل ناسيًا.
الحكمة من مشروعيته:
-١ - سكون النفس الأمَّارة بالسوء عن التحرك إلى ما لا يرضي، لأنه إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء عن الحركة وإذا شبعت النفس جاعت الجوارح بمعنى قويت على البطش والنظر فعل ما لا ينبغي، لذا يصفو القلب بالصوم وتحصل المراقبة قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ (١) .
-٢ - العطف على المساكين بالإحساس بألم الجوع.

(١) البقرة: ١٨٣.
فضيلة الصوم:
روى أبو هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (الصيام جُنَّة، فلا يَرفُث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إني صائم - مرتين - والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها) (١) أي أن الله تعالى ينفي شركة الغير عن الصوم، وهذا لم يذكر في سائر الطاعات، لذا ليس في الصوم المفروض رياء، وقيل تؤخذ الحسنات في المظالم إلا الصوم.
ثوابه: تكّرمًا من الله تعالى في الآخرة، إن لم يكن الصوم منهيًا عنه، فإن كان منهيًا عنه كصوم يوم النحر فالصوم صحيح والصائم آثم لإعراضه عن ضيافة الله تعالى.
روي عن سهل ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إن في الجنة بابًا يقال له الرَّيَّان، يَدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق، فلم يدخل منه أحد) (٢) .
أركان الصوم: الإمساك عن قضاء شهوتي البطن والفرج وعما أُلحق بهما.

(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٢/١٧٩٥.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٤/١٧٩٧.
شروط الصوم:
أولًا: شروط وجوب الصوم:
-١ - الإسلام: لأنه عبادة فلا يجب على الكافر.
-٢ - العقل: فلا يجب على الصغير والمجنون والمغمى عليه، لما روى علي بن أبي طالب ﵁ أن النبي ﷺ قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) (١) . ويجب القضاء في حالة الإغماء ولو امتد الإغماء الشهر كله لندرته ولقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدّة من أيام أخر﴾ (٢) إلا أنه لا يقضي اليوم الذي حدث فيه الإغماء إذا كان نوى الصيام، وأما الجنون فإن استوعب الشهر كله فلا يقضي، وإن لم يستوعب قضى ما جُنَّ فيه.
-٣ - البلوغ: فلا يجب الصوم على الصبي المميز، لكن صومه صحيح، ويُؤمر به قياسًا على الصلاة، ويضرب على تركه لِعَشر. والتكليف هنا للأولياء.
-٤ - العلم بالوجوب: لمن أسلم في دار الحرب، ويحصل بإخبار عدل أو امرأتين. أما من نشأ في دار الإسلام فلا عذر له بالجهل.

(١) أبو داود: ج ٤ / كتاب الحدود باب ١٦/٤٤٠٣.
(٢) البقرة: ١٨٤.
ثانيًا: شروط وجوب الأداء:
الأداء هو تفريغ ذمة المكلف عن الواجب في ذمته المعين له.
-١ - الصحة من المرض: لقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدّة من أيام أخر﴾ (١) .
-٢ - الخلو من الحيض والنفاس.
-٣ - الإقامة.

(١) البقرة: ١٨٤.
ثالثًا: شروط صحة الصوم:
أولًا: النية: فلا تصح كل عبادة إلا بالنية، ولحديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) (١) . وتتحقق النية بقصد القلب وعزمه على الصوم، ولا يشترط لها النطق باللسان.
وتجب النية لكل يوم، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة. فلو نوى من أول ليلة في رمضان صوم جميع الشهر لم يجزئ إلا عن أول يوم، ولكن يُسن له ذلك ليصح صوم النهار الذي نسي النية فيه على مذهب الإمام مالك ﵁.
وأقل النية: نويت الصيام، وأكملها: نويت صوم يوم غد عن أداء فرض رمضان إيمانًا واحتسابًا. والتسحرّ في رمضان نية، لأن النطق باللسان ليس شرطًا بل هو سنة.
وإن علق النية على شرط لم تصح، كأن يقول: نويت الصيام إلا إذا دُعِيت إلى طعام، فلا تعتبر نية.
شروط النية:
-١ - التبييت: ومعناه أن ينوي الصيام من الليل، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
-٢ - التعيين: وهو أن يحدد نوع الصوم الذي يريد.
وهذان الشرطان غير واجبيين في كل أنواع الصيام:
أ - لا يشترط تبييت النية ولا تعيينها فيما يلي:
(١) - أداء شهر رمضان؛ أما ما روي عن حفصة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (من لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له) (٢) فيحمل على أنه نفي كمال الصوم لا نفي وجوده أصلًا.
واستدل على عدم اشتراط التبييت في صوم رمضان بما يلي:
-١ - نية أكثر النهار تكون نية للكل، فلو نوى قبيل الضحوة الكبرى - وهو ما قبل نصف النهار - صح صومه.
-٢ - ما روي عن ابن عباس ﵄ قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال رأيت الهلال. فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. قال: نعم فنادى النبي ﷺ: أن صوموا) (٣) .
ولو نوى في رمضان أداء واجب آخر غير رمضان وقع عن رمضان إن كان صحيحًا مقيمًا.
(٢) - النذر المعيّن زمانه: كمن نذر صوم يوم بعينه فلا يحتاج في نيته إلى تعيين ولا تبييت، لكن لو نوى صوم واجب غير النذر المعين وقع الصوم عن هذا الواجب، وبقي النذر المعين بذمته فيقضيه، أما لو نوى نفلًا مطلقًا فيقع عن النذر.
(٣) - صوم النفل المطلق: لما روي عن عائشة ﵂ قالت: دخل عليّ النبي ﷺ ذات يوم فقال: (هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذن صائم. ثم أتانا يومًا آخر فقلنا: يا رسول الله أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ (٤) . فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائمًا، فأكل) (٥) .
وتصح النية في صوم النفل المطلق حتى الضحوة الكبرى.
ب - يشترط التبييت والتعيين فيما يلي:
(١) - قضاء رمضان.
(٢) - قضاء ما أفسده من نفل.
(٣) - صوم الكفارات بأنواعها ككفارة اليمين والتمتع والقران.
(٤) - النذر المطلق.

(١) البخاري: ج ١ / كتاب بدء الوحي باب ١/١.
(٢) النسائي: ج ٤ / ص ١٩٧.
(٣) النسائي: ج ٤ / ص ١٣٢.
(٤) الحَيْس: تمر يُنزع نواه ويُعجن بالسمن.
(٥) مسلم: ج ٤ / كتاب الصيام باب ٣٢/١٧٠.
ثانيًا: خلوه عما يفسده:
ومفسدات الصوم هي:
-١ - الجماع عمدًا والاستمناء عمدًا؛ لقوله تعالى: ﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم﴾ (١) . أما الجماع ناسيًا للصوم، فهو كالأكل ناسيًا لا يفطر، لما روى أبو هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من أكل أو شرب ناسيًا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله) (٢) فالنص هنا على الأكل والشراب، وقيس عليه الجماع.
-٢ - وصول أي شيء عمدًا أو خطأ إلى ما يسمى جوفًا، أو ما كان في حكم الجوف وهو الدماغ، من منفذ مفتوح: فأما الشيء فيشمل الطعام والشراب، ويلحق به التدخين، وابتلاع ما لا يؤكل عادة كالدرهم والحصاة والخيط. ويستثنى غبار الطريق، ودخان السيارات، وما بين الأسنان إن كان دون الحمصة. وأما الجوف: فيشمل جوف الإنسان كله، سواء كان الداخل من الفرج أو الدُبُر أو الفم أو أي منفذ له، فلو أدخلت المرأة إصبعها في فرجها ولو للتنظيف أفطرت، والقطرة في الأنف والأذن تُفطر بخلاف القطرة في العين فإنها لا تفطر.
-٣ - الاستقياء: فلو تعمد التقيؤ أفطر، أما لو ذرعه القيء فلا يضره ولا قضاء عليه، إلا إذا ابتلعه عمدًا وكان ملء الفم فعليه القضاء. لحديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من ذَرَعه القيء (٣) فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض) (٤) وقال الإمام أبو يوسف: إذا تعمد القيء وكان أقل من ملء الفم لا يفسد.

(١) البقرة: ١٨٧.
(٢) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٢٦/٧٢١.
(٣) ذَرَعه القيء: غَلَبه وسَبَقَ إلى فِيه.
(٤) الترمذي: ج ٣ / كتاب الصوم باب ٢٥/٧٢٠.
ثالثًا: خلوه عما ينافي صحته:
-١ - الإسلام: فلا يصح صوم الكافر ولا المرتد لقوله تعالى: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ (١) .
-٢ - النقاء من الحيض والنفاس: فلو طهرت بعد الفجر بقليل لم يصح صوم ذاك النهار، لكن يجب الإمساك عن المفطرات بقية اليوم وقيل يسن، وعليها القضاء. أما إذا حاضت بعد آذان المغرب بقليل صح صومها ولا قضاء عليها. وكذا لو نقيت من الحيض أو النفاس قبل الفجر صح صومها ولم تقض ذاك النهار ولو لم تغتسل، لأن الاغتسال ليس شرطًا لصحة الصوم بل هو أفضل. وكذا من أصبح جنبًا صح صومه ولو لم يغتسل. وذلك لما روي عن عائشة ﵂ (أن رسول الله ﷺ كان يدركه الفجر، وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم) (٢)، وإن كان الأفضل له أن يغتسل قبل الفجر.
وليس العقل والإقامة من شروط الصحة، فإن الجنون إذا طرأ وبقي إلى الغروب صح صومه أي ولم يأكل شيئًا ولم يدخل المفطر جوفه.

(١) الزمر: ٦٥.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٢٢/١٨٢٥.

1 / 129