قالت هذا وهي تشير إلى رأسها.
ومن شارع الملكة إلى السكاكيني وإبراهيم باشا والعتبة مرة أخرى، ولا أمل ولا شروع في أمل، وفي شارع عبد العزيز قرر حمزة أن يذهب إلى حجرته في المبتديان ويقضي فيها الليلة، هناك خطر ولكن ليس هناك مفر.
ووقف في الظلام المجاور لدار العلوم وأرسلها تستكشف، وعادت إليه بعد قليل مسرعة قائلة إنها رأت أربعة لا بد أن يكون أحدهم مخبرا.
وابتعدا بسرعة عن المنطقة كلها عن طريق شارع الفلكي وكان ما معهما من نقود قد انتهى، فاقترض حمزة من نقود السلاح التي معه على أن يسددها حين يحصل على مرتبه عن نصف الشهر الذي انقضى، وسأل فوزية أن تذكره أن يكتب لها توكيلا لتذهب وتصرف المرتب من مقر شركة الحرير، وكان حمزة قد قرر أن يحاول مرة أخرى مع قريبته التي في شبرا ويقضي عندها الليلة بالعافية أو بالرزالة وليكن ما يكون، ولكن قريبا من باب اللوق قطع حديثه الساخط وسألها: مش ده سعد؟ - آه، هو صحيح.
كان سعد مقبلا من بعيد هو وثلاثة شبان آخرين، وكان واضحا جدا بينهم بقصره واصفراره ونحافته، وكان يرتدي هذه المرة بدلة كحلية أنيقة ويضع منديلا أبيض في جيب سترته الأعلى.
وتفتحت أمام حمزة أبواب الأمل على سعتها؛ إذ لا بد أن يكون لديه مكان، بل لا بد أنه على صلة ما باللجنة وممكن أن يعيد اتصاله، وطلب من فوزية أن تنتظره، ثم أسرع ناحية سعد وزملائه ونادى عليه، ولم يسمع إذ كان الأربعة في تلك اللحظة منخرطين في قهقهة عالية تفرقوا على إثرها في أرجاء الشارع يضحكون، ثم عادوا يتجمعون، وقبل أن يصل إليهم حمزة كانوا قد توجهوا إلى عربة «فيات» واقفة على الرصيف المقابل لمحطة باب اللوق ودخل الثلاثة فيها، وقبل أن يدخل سعد كان حمزة أدركه وأمسك بكوعه، والتفت سعد وامتلأ وجهه بدهشة واسعة الأطراف وقال : هاللو، هاللو، حمزة ، إنت فين؟
وعانقه عناقا حارا، وقبله على جانبي رقبته، وسأله حمزة: أنت فين يا راجل؟ بقى كده ما تجيش في الميعاد. - أبدا مش صحيح، دا ما حصلشي أبدا، بالشرف رحتلك يومها قبل الميعاد بربع ساعة وفضلت واقف بعده ييجي نص ساعة لما نشفت من البرد، بشرفي إني رحت، وبالأمارة ... - طيب بالأمارة الميعاد كان فين؟
واحتار سعد وقلب رأسه وقد تزمتت ملامحه يمينا ويسارا وفوقا وتحتا، وعوجها مرات ثم قال: آه آل، طبعا، كان عند قصر النيل، أيوه بالظبط عند قصر النيل، لأ، أنا في حكاية المواعيد دي ظبط قوي.
وابتسم حمزة وقال له: طيب وايه رأيك إن ما كانشي فيه بينا أي مواعيد أبدا.
وتوقع منه حمزة أن يضحك أو يقهقه، ولكنه عقد جبهته قليلا ثم قال: أبدا، شوف، شوف أنت ناسي ازاي بقى، شوف مين اللي ما بيجيش في المواعيد وينساها، عرفت بقى، عرفت؟
অজানা পৃষ্ঠা