كانت هناك ويدها على كتفه، والقهوة في يده، وفوزية في قلبه، وحمزة في عينيها، وابتسامتها لا تزال ترتجف ورجفتها في أنفاسه، وأنفاسه تتلاحق، وأفكارها معلقة بأنفاسه، وأفكاره غائبة، والغيبة في ملامحها، وغيبتها طالت ثم جاءت، ومجيئها سعادة، والسعادة في صدره، وفي صدره رضاء، ورضاؤها واضح، وفي وضوحه هيام، وهيامه خائف، وخوفها يتلاشى، وخوفه يمت إلى الأمس، وبالأمس كان يهدر وهديره الآن مسموع، وهديرها فائر، والقهوة هي الأخرى قد بدأت تزن تفور.
وصعدت يدها في تردد واجف إلى رأسه، ومرت بأصابعها بسرعة في أرجاء شعره فنكشته وهي تقول: هيه، ازيك؟
وعاد ينظر إليها، كانت حافية وقد خلعت حذاءها وجوربها وكانت تضيق بالأحذية والجوارب، مرتدية شبشب بدير وقدماها صغيرتان دقيقتان تائهتان في كبره، وأصبعها الصغير كان يرتد منكمشا على نفسه وملتصقا بشدة في الأصبع الأكبر الذي بجواره كأخ صغير أصابه ذعر فمضى يحتمي بشقيقه. كانت واقفة، رائعة وهي واقفة، فيها كل ما كان لها من حيوية ونشاط وتتأمله بطريقة لم يعهدها، طريقة مختلفة تماما عن طريقتها الدغري في الكفاح، ففي نظرتها حنان رقيق وفي وجنتيها حمرة وفي ملامحها سرحان تائه، يحملق فيه ويبحث ويكاد ييأس من البحث فينبض ويدق ويهمس بأشياء وأشياء.
وقالت مرة أخرى: مش كويس إن أنا جيت يا حمزة؟
وأحس ل «حمزة» وهي تنطقها بنكهة تمشت في أوصاله، كان مجرد أن يتصور كلمة «حمزة» تتصاعد حروفها من مكان ما حول قلبها وتحمل دفء أنفاسها وتتجمع الحروف في فمها وتتعطر برضابها، ثم تتكامل وتتهيأ وتودع شفتيها منطلقة إلى الفضاء وقد تشبع كل حرف فيها بذكريات حبيبة عن رحلته الغالية. كان مجرد تصوره هذا يجعله يحس براحة عميقة وكأنه هو لا اسمه الذي نبع من مكان ما حول القلب، وكأنها بمجرد أن تنطق اسمه تبعث له مع كل حرف منه بآهات حب وإعزاز.
ومع ذلك فقد كانت لا تزال به رهبة ولا يزال مترددا غير واثق.
وعبثت بشعره عبثة أخرى سريعة وقالت: أنا غلطت امبارح، وفضلت طول الليل أأنب نفسي. - ليه؟ على إيه؟ - لأني كنت امبارح بغالط نفسي، بغالط شعوري لك في طول المدة اللي فاتت، بغالط حتى شعوري بتاع أول إمبارح.
الموضوع أصله كبير قوي ومافيش داعي نتكلم فيه دلوقت، خد الجواب ده اقراه، مش دلوقت، خليه بعدين قبل ما تنام أحسن، حتلقى فيه كل حاجة، أنا كنت معقدة قوي يا حمزة.
أنا ساعات كده بتطلع في دماغي حاجات وأصمم عليها. - ده عيب المثقفات.
وتلجلجت فوزية كمن يريد قول شيء ثم يعدل، وأجابته: ودا برضه عيب المثقفين، ليه ناقشتني امبارح؟ ليه كنت عايز «تقنعني» بحبك؟ ليه هاودتني وقتلت لحظة الحب الجميلة دي بالنقش؟ الحب لا يناقش وإذا نوقش يدبل، الحب يتاخد، يتاخد كده!
অজানা পৃষ্ঠা