وقف حمزة وطالت وقفته، وعقله - من فرط ما كان للحظات قيمة - يكاد يتحول إلى ساعة تعد الدقائق وتحصي ما تبقى على موعد حظر التجول وتضطرب إذا مرت الثانية، وتكاد تتوقف إذا ما أحصت دقيقة كاملة.
وتلاحقت ضربات قلبه فجأة، ثم رأى شبحا صغيرا قادما من بعيد، ووجد نفسه يتحرك ناحيته بلا أي تمعن أو انتظار، ويا لروعة الوجه الأبيض الدقيق الذي أطل عليه من الظلام! - أهلا.
قالها وهو يودعها أسبوعا بأكمله من اليأس المر والأمل الخافت، والترقب الذي دام أكثر من مائة ساعة، وما كادت الكلمة تغادر فمه حتى أحس باندفاعه أكثر من اللازم، وحين سلم عليها فعل هذا بوعي حتى لا يعتصر يدها.
وسارا جنبا إلى جنب، وكانت فوزية تبتسم باستمرار وتلمع عيناها دافئتين نشيطتين في الظلام كلما سقط عليهما ضوء بعيد، وسألته لماذا النظارة السوداء في الليل فأجابها: أصلي مختفي، والنظارة تساعد. - ولا تساعد ولا حاجة، دانا عرفتك على طول، عامل ايه بعد اللي حصل؟
ولم يجب حمزة؛ فقد خيم عليه صمت ما لبثت عدواه أن انتقلت إليها، كانت الضربة قد عادت بكاملها إلى وعيه وكأنما قد صوبت إليه لحظتها، وأخيرا قال: خسارة! - أيوه، خسارة!
ثم أضافت: تعرف إني رحتلك المعسكر النهاردة؟ - ليه؟ - أصلي قلت يمكن تكون قصدت بنفس المكان المعسكر، فقلت اروح هناك وإن ماجتش أجيلك هنا. - وازي المعسكر؟ - يدوب عرفته، دا معدش فيه حاجة، الخيمة طبقها الهوا، والخشب مهدود، ولقيت هناك نقطة عساكر.
وعاد حمزة يقول من بين أسنانه: خسارة!
وتنبهت الساعة التي في عقله إلى الزمن فجأة، وكانا قد اقتربا من الشارع الرئيسي، فقال حمزة بعد أن نظر في ساعته: احنا لازم نرجع مصر بسرعة؛ باقي تلت أرباع ساعة على حظر التجول.
قال هذا وجرى يبحث عن تاكسي، وسألها وهو يجري: انتي ساكنة فين؟
فأجابته وقد بدأت تجري هي الأخرى: في شارع خيرت.
অজানা পৃষ্ঠা