الثاني: أنهم يقولون: الحد لا يمنع ولا يقام عليه دليل، وإنما يمكن إبطاله بالنقص والمعارضة: فيقال: إذا لم يكن الحاد قد أقام دليلا على صحة الحد، أمتنع أن يعرف المستمع المحدود به، إذا جوز عليه الخطأ فإنه إذا لم يعرف صحة الحد بقوله، وقوله محتمل الصدق والكذب امتنع أن يعرفه بقوله. ومن العجب أن هؤلاء يزعمون أن هذه طرق عقلية يقينية، ويجعلون العلم بالمفرد أصل العلم بالمركب، ويجعلون العمدة في ذلك على الحد الذي هو قول الحاد بلا دليل، وهو خبر واحد عن أمر عقلي لا حسي، يحتمل الصواب والخطأ والصدق والكذب. ثم يعيبون على من يعتمد في الأمور السمعية على نقل الواحد الذي معه من القرائن ما يفيد المستمع العالم بها العلم اليقيني، زاعمين أ، خبر الواحد لا يفيد العلم، وخبر الواحد وإن لم يفد العلم لكن هذا بعينه قولهم في الحد، فإنه خبر واحد لا دليل على صدقه. بل ولا يمكن عندهم إقامة الدليل على صدقه. فلم يكن الحد مفيدا لتصور المحدود. ولكن إن كان المستمع قد تصور المحدود قبل هذا أو تصوره معه أو بعده بدون الحد، وعلم أن ذلك حده علم صدقه في حده، وحينئٍذ فلا يكون الحد أفاد التصور وهذا بين.
وتلخيصه: أن تصور المحدود بالحد لا يمكن بدون العلم بصدق قول الحاد وصدق قوله لا يعلم بمجرد الحد، فلا يعلم المحدود بالحد.
الثالث: أن يقال: لو كان الحد مفيدًا لتصور المحدود، لم يحصل ذلك إلا بعد العلم بصحة الحد، فإنه دليل التصور وطريقه وكاشفه، فمن الممتنع أن يعلم المعروف المحدود قبل العلم بصحة المعروف، والعلم بصحة الحد
2 / 20