الفصل السادس
جحا ونوادره
جحا ... غير واحد
شيء واحد ثابت كل الثبوت في أمر جحا.
ذلك الشيء الثابت - قطعا - أنه لم يكن جحا واحدا ولا يمكن أن يكونه؛ لأن النوادر التي تنسب إلى جحا لا تصدر من شخص واحد، ولا تزال دواعي اليقين باستحالة هذه النسبة واضحة في كل قرينة وكل رواية يجوز الاعتماد عليها في تحري الوقائع ومن تنسب إليه.
يستحيل أن تصدر هذه النوادر عن شخص واحد لأن بعضها يتحدث عن أناس في صدر الإسلام، وبعضها يتحدث عن أناس في عصر المنصور العباسي أو عصر تيمورلنك أو ما بعده من العصور بأجيال.
ويستحيل أن تصدر عن شخص واحد لاختلاف الشخصيات التي تصورها في مجموعها، فمنها ما يكون التغفيل فيه من جحا، ومنها ما يكون فيه جحا صاحب الذكاء النادر والطبع الساخر الذي يكشف عن الغفلة ويتندر على البلاهة، ومن هذه الشخصيات من تتمثل فيه الحماقة بغير مراء، ومنها من يتحامق ويبدو في كلامه وتمثيله أنه يتكلف ما يعمل وما يقول استهزاء منه بمن يدعون الحكمة والذكاء.
ويستحيل أن تصدر هذه النوادر عن شخصية واحدة لتباعد البيئات التي تروى عنها سواء في الأمكنة أو العادات والأخلاق، فقد يروى بعضها عن فارس، ويروى بعضها عن بغداد أو الحجاز أو آسيا الصغرى أو غيرها من البلدان الشرقية.
بل ربما قيل عن جحا إنه نصر الدين التركي، وقيل عنه إنه أبو الغصن العربي الفزاري، وقيل عنه إنه من النوكى الهاكعين، كما يقال عنه إنه من أصحاب الحالات والكرامات من المتسترين بالولاية وهم يجهرون بالهذر والبلاهة.
ويستحيل أن تصدر هذه النوادر عن «جحا» وحده كائنا ما كان؛ لأنها تنسب - بعينها - إلى المجانين من أمثال هبنقة وبهلول، أو إلى الأذكياء من أمثال أبي نواس وأبي العيناء.
অজানা পৃষ্ঠা