রাজনৈতিক ভূগোল
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
জনগুলি
وقد كان من الطبيعي أن يقوم التناحر بين هاتين العنصريتين المتطرفتين لفترة طويلة من الزمن، وأن تخلف الثانية الأولى بعد هزيمتها؛ لأن كلا منهما اتخذ لنفسه تطبيقا مختلفا في محاولة تحقيق هدفه للسيطرة العالمية: فالجرمانية سخرت كل طاقات الشعب الألماني ضد العالم، وهي بدون شك طاقات محدودة بالمكان الجغرافي والعدد البشري مهما كانت أشكال التقدم التكنولوجي التي وصل إليها الألمان، بينما الثانية سخرت - ولا تزال تسخر - طاقات مختلفة من أماكن جغرافية كثيرة وشعوبا عديدة لكي تخدم الإبقاء على الدولة الإسرائيلية في فلسطين، وفي نظري فإن هذه الدولة لا تمثل كل التجسيد الأهداف العنصرية الصهيونية، بل هي جزء من هذه الأهداف يمثل ركيزة مادية تمتد منها جسور على المستوى العالمي، ويربط اليهود ظاهريا وماديا كما يربط معه بالفعل أجزاء أخرى كثيرة موزعة في العالم.
رابعا:
تختلف نظرة الكتاب السياسيين إلى الأمور باختلاف انتماءاتهم الأيديولوجية، فالكاتب الاستعماري القديم يختلف عن الإمبريالي المعاصر، وكلاهما يختلف عن الكاتب الماركسي في تحليل الأحداث السياسية، ويتفق هؤلاء جميعا في أن الاقتصاد والتجارة بصورته العامة هو محرك أساسي للتخطيط السياسي، ولكنهم يختلفون في تحليل كل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية المؤدية إلى تكوين الدولة، وتشكيل الأحداث السياسية وقيام الثورات ونشأة القوميات، ويختلفون نظريا في تحليل القوى التي تساعد على بقاء النظام الاستعماري أو الإمبريالي أو الاشتراكي.
فمثلا الكاتب السياسي الأمريكي ينظر إلى مشكلات أوروبا فيما بين الحربين العالميتين نظرة مختلفة إلى مشكلاتها فيما بعد الحرب العالمية الثانية، والسبب في هذا راجع إلى أن أمريكا كانت قد انعزلت عن المشكلات الأوروبية حسب مبدأ مونرو في أعقاب الحرب الأولى، بينما نجدها منغمسة إلى أقصى حدود الانغماس في المشكلات الأوروبية فيما بعد الحرب الثانية.
فمبدأ مونرو كان ينظر إلى أن حدود أمريكا هي حدود الأطلنطي، وأن انتصار الحلفاء الغربيين على ألمانيا القيصرية قد أدى إلى تأمين أوروبا الغربية، وبالتالي تأمين المحيط الأطلنطي وتأمين حدودها، وكذلك كان يمكن أن يكون الحال بعد هزيمة القوى الجرمانية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية لولا عاملان جديدان كل الجدة في التخطيط السياسي الأمريكي جعلاها تمد حدودها الآمنة عبر الأطلنطي إلى أوروبا، بل وعبر الباسيفيكي والهندي أيضا، وهذان العاملان هما:
العامل الأول:
أن مصدر الخطر على الأمن الأمريكي - الذي يطلق عليه تعميما الأمن الغربي - لم يعد الرقعة المكانية المحدودة الموارد الطبيعية والبشرية والتكنيكية التي تحتلها ألمانيا، والتي زاد من ضعفها تقسيمها إلى ألمانيا الشرقية والغربية كوحدتين متنافرتين تؤديان إلى هدر جزء كبير من طاقتهما في الصراع الأيديولوجي والاقتصادي، بل أصبح موضع الخطر على الأمن الأمريكي هو الاتحاد السوفيتي في الرقعة المكانية الهائلة ذات الطاقات الكبيرة موارد وسكانا، والتي تتبرعم فيها قوى تكنيكية ليس من السهل نضوبها متى بدأت تثبت وتتعمق جذورها وتتأصل، وهي بذلك قوى مشابهة إلى حد غريب لتبرعم القوى التكنيكية الأمريكية على سطحها الأرضي الواسع ومواردها الطبيعية والبشرية الكبيرة، فالفرق الكمي والكيفي والمكاني واضح بين دولتي ألمانيا كقوة سياسية أوروبية والاتحاد السوفيتي كقوة عالمية، ومن ثم كان لا بد للوجود الأمريكي من الظهور في كل أجزاء العالم المحيطة بالاتحاد السوفيتي قاطبة، وليس في أوروبا وحدها.
وعلى هذا الضوء يمكن أن نفسر سلسلة الأحلاف التي أنشأتها أمريكا لتطويق الاتحاد السوفيتي: حلف الأطلنطي في أوروبا الغربية والبحر المتوسط ومضايق البحر الأسود، والحلف المركزي في الشرق الأوسط، وحلف جنوب شرق آسيا من باكستان إلى الفلبين وأستراليا.
العامل الثاني:
أن مبدأ مونرو برغم ما يبدو ظاهريا من أنه إخلاد أمريكا إلى الراحة بعيدا عن ضجيج الصراع السياسي الأوروبي وثورات المستعمرات ومشكلاتها في أفريقيا وآسيا، إلا أنه في حقيقة الأمر لم يكن كذلك.
অজানা পৃষ্ঠা