রাজনৈতিক ভূগোল
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
জনগুলি
لكن الفصل والاتصال مسألة نسبية تظل مرتبطة بوجود علاقات تجارية وحركة مستمرة، فالأطلنطي الجنوبي بين شواطئ أفريقيا وأمريكا الجنوبية كان مسطحا فاصلا، لكنه تحول إلى مسرح حركة ملاحية كبيرة بعد الكشوف الجغرافية، وأصبحت موانئ خليج غانا وجنوب أفريقيا مزدهرة بالحركة التجارية المارة من الهند إلى أوروبا، وبعد شق قناة السويس قلت الحركة في هذا الجزء من المحيط، ولم تعد تعبره سوى السفن المتجهة إلى أستراليا وأفريقيا الغربية والجنوبية، ومع هذا التغير هبطت الصراعات الدولية - البرتغالية والإنجليزية والفرنسية والألمانية - في هذه البحار الجنوبية، كذلك كان الأطلنطي الشمالي «بحر الظلمات» قبل الكشوف الجغرافية، لكنه يستأثر الآن بأضخم حركة ملاحية في العالم كله وبعلاقات سياسية متشابكة ومعقدة.
وخلاصة القول أن بحار الاتصال تنتابها تيارات سياسية متشابكة: أولا سياسات الدول القومية المطلة على تلك البحار، وثانيا الدور المؤثر لسياسات القوى الكبرى على مصير واستراتيجية القوى في تلك البحار، وتحليل التيارات السياسية في البحار المتوسطة الثلاثة خير دليل على ذلك، فعلى سبيل المثال نجد البحر المتوسط الأورو أفريقي تنتابه التيارات السياسية التالية منذ مطلع القرن العشرين: فرنسا كانت تعتبر الحوض الغربي للبحر المتوسط بحرا فرنسيا تحف به الأراضي الفرنسية من الشمال (فرنسا) والجنوب (فرنسا عبر البحار في شمال أفريقيا)، وإيطاليا تعد الحوض الأوسط كله بما في ذلك الأدرياتيك بحرا إيطاليا، «وفي عهد موسوليني اعتبرت كل البحر بحيرة إيطالية لكن محك التجربة أثبت غير ذلك». وبريطانيا كانت تمارس نفوذها الفعال في شرق البحر المتوسط - مصر وفلسطين وقناة السويس - كما كانت تتحكم مفاتيح البحر الهامة في جبل طارق ومالطة.
ثم جاءت نهاية الحرب العالمية الثانية وتكوين حلف الأطلنطي الذي دخلت فيه فرنسا وإيطاليا واليونان وتركيا، وبذلك أصبح البحر المتوسط بحيرة غربية يسيطر عليها الأسطول الأمريكي السادس بالاشتراك مع الأساطيل القومية الأخرى: إيطاليا واليونان وتركيا، أما فرنسا فقد انسحبت من ذلك الحلف، ثم جاءت انتفاضات الدول العربية وحركات الاستقلال على طول الشواطئ الشرقية والجنوبية من البحر المتوسط، وحرم الغرب من قواعد استراتيجية هامة على طول الجبهة العربية: وهران، بيزرت ، طرابلس، السويس، وذلك في نفس الوقت الذي حلت فيه قوى غربية جديدة في الركن الجنوبي الشرقي: إسرائيل، وتدريجيا تصاعدت حدة التوتر في البحر المتوسط إلى أن أصبحت مياهه ساخنة في مواجهة غربية أمريكية وسوفيتية، وأغلقت قناة السويس، وبذلك ركدت الحركة السياسية ركودا مؤقتا في البحر المتوسط، ولا نعرف ماذا يمكن أن ينتهي الأمر إليه في ظل التيارات السياسية العالمية الراهنة المتجهة إلى «تبريد» المناطق الساخنة في العالم. (ب) تغير أهمية البحار
تتغير أهمية الفصل والاتصال في البحار نتيجة السياسات المختلفة التي يتبعها القادة والزعماء، ونتيجة التغيرات التكنولوجية في أدوات الحرب البحرية، فالمياه لا تزال - وكما كانت - حاجزا قويا من حواجز الحدود، ولكن السفن الحربية المزودة بالوقود الذري والقذائف الصاروخية فوق سطح الماء وتحته قد قللت كثيرا من أهمية البحر كحد دفاعي يمكن الاعتماد عليه بصفة مطلقة، ويمكننا أن نعطي هنا مثالين: بريطانيا وأمريكا.
كثيرا ما قيل إن موقع بريطانيا في جزرها كان عاملا من عوامل استقرارها ونجاحها في الحروب، لكن ذلك يدحضه أن بريطانيا تعرضت مرتين لغزو عسكري وحضاري استقرا في هذه الجزر المنيعة: الغزو الروماني قبل بداية التاريخ المسيحي بقليل، والغزو النورماندي في القرن الحادي عشر الميلادي، وفي مقابل ذلك لم يتمكن كل من نابليون وهتلر من إخضاع بريطانيا، والحقيقة أنه إلى جانب ما يعطيه البحر من قوة دفاعية فإن هذه القوة تصبح قوة مانعة في حالة وجود أسطول إنجليزي قوي قادر على صد الأعداء أو جعل الغزوة أمرا محفوفا بالمخاطرة الجسيمة، وفي حالة فقدان الأسطول الإنجليزي فإنه يصعب لنا أن نتصور كيف تنجح بريطانيا في صد أي هجوم يقع عليها، وإلى جانب هذه الحقيقة فإن هناك عاملا بشريا آخر كان يلعب دوره لحساب بريطانيا، ذلك أن بريطانيا في حربها مع نابليون لم تكن وحيدة إلا لفترة محدودة، وفي معظم العصر النابليوني كان لها حلفاؤها وخاصة إمبراطورية النمسا والمجر، فضلا عن إنهاك موارد فرنسا العسكرية في متاهات السهول الروسية المتجمدة، والحال نفسه كان في العهد الهتلري، صحيح أن حلفاء بريطانيا سقطوا بسرعة إلا أن القوة الأمريكية الاقتصادية والسياسية والعسكرية قد دعمت بريطانيا طوال سني الحرب، فضلا عن سقوط قوات هتلر الفعلية في حملتها الفاشلة في مساحات الاتحاد السوفيتي الشاسعة.
وإذا كانت بريطانيا جزيرة صغيرة لا يفصلها عن مكامن الخطر الأوروبية سوى شقة بحرية ضيقة، فإن الولايات المتحدة تمتلك هذه الميزة البريطانية على صورة أضخم عشرات المرات.
فالولايات المتحدة في حد ذاتها مساحة شاسعة مشحونة بموارد هائلة أولية وصناعية فضلا عن أنها في حقيقة الأمر الآمرة الناهية في معظم أرجاء القارتين الأمريكيتين، والولايات المتحدة كدولة ذات حدود وسيادة محددة، وكقوة رئيسية في الأمريكتين معا تمثل جزيرة ضخمة تفصلها عن أخطار أوروبا وآسيا أكبر مسطحات محيطية في العالم، وقد قبعت الولايات المتحدة في «جزيرتها» الأمريكية ردحا طويلا من الزمن، شاعرة بالأمان الذي توفره لها عزلتها الجزرية.
في تلك الفترة كانت الولايات المتحدة عاكفة على تدعيم نفسها اقتصاديا، وهي نفسها الفترة التي كان السياسيون الأمريكيون ينظرون إلى المحيط على أنه عامل دفاع لا يكاد أن يقهر، ولكن الولايات المتحدة دخلت مرحلة اقتصادية سياسية أخرى قبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة حينما خرجت رءوس الأموال والاستثمارات الأمريكية إلى آسيا الشرقية وأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وفي هذه الحالة تكاثفت الحركة التجارية الأمريكية عبر البحار، وخاصة عبر الأطلنطي الشمالي إلى أوروبا والباسيفيك إلى آسيا، وهكذا لم تعد البحار الواسعة عامل فصل ودفاع، بل تحولت إلى طرق حركة للأموال والسلع والمصالح الأمريكية، وهنا فقدت أمريكا عزلتها وفقدت المحيطات التي تلفها منعتها الدفاعية، وأصبحت أمريكا ترى حدودها الآمنة في وسط أوروبا وشواطئ آسيا الشرقية والجنوبية الشرقية.
وبعبارة أخرى نلخص الموقف الخاص بقوة الحدود البحرية على النحو التالي : (1)
المسطحات البحرية في حد ذاتها عائق أمام الغزو، وبذلك تكون حدودا دفاعية طيبة. (2)
অজানা পৃষ্ঠা