68

জিনোসাইড

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

জনগুলি

وأتبع ذلك بضربة خفيفة على الطاولة. - معذرة يا سيدي، لقد أشغلتني الأجواء الجميلة هنا؛ فقد مر وقت طويل ولم أدخل مكانا كهذا. - لا عليك، فالحسناوات أبسط ما لديهن أن يسلبن عقولنا ويأخذننا بعيدا بعيدا جدا.

قالها وهو مغمض العينين وقد رفع رأسه إلى الأعلى ويلوح بيده، ثم فتح عينيه وقال: دعنا منهن وقل لي ماذا تشرب؟ - قهوة مرة. - قهوة مرة! ألا تكفيك مرارة الحياة في الغيتو؟

هز رأسه وهو يبتسم: لا عليك. ثم نادى النادل وطلب القهوة لمايكل وشرابا له وبعض المقبلات والفواكه. عندما رحل النادل سحب منديله من جيب ردائه ومسح جبينه وقال دون أن ينظر بوجه مايكل: لربما تظن بأنني أسعد إنسان على وجه الأرض. - الحقيقة نعم عندما رأيتك هنا وبهذا النشاط والحيوية، وكلا عندما رأيتك حائرا ضجرا تفكر في مكتبك يوم جئت لزيارتك. - أوه واو! لقد أعجبني تركيزك يا مايكل، لكن أيهما تظن حقيقة حياتي والآخر تمثيلا؟ - ولم الحقيقة والتمثيل، كل مكان له قوانينه وأجواؤه الخاصة، هناك عمل ووظيفة رسمية تتطلب منك الجدية، وهنا مكان لهو ومرح، فلا يعقل الجدية هنا كما لا يعقل الهزل هناك. - ربما تكون محقا فيما تقول، لكن يبدو أنني لم أستطع إيصال فكرتي إليك جيدا، المهم أنت هنا من أجل أختك المريضة التي تم نقلها إلى المشفى. - نعم، سارة، أخبرني أرجوك ألم تشف من المرض؟ أرأيتها؟ أخبرني عنها أرجوك! - مايكل، أريدك أن تسمعني جيدا، أنا لم أرد إخبارك بمصير سارة عندما دعوتني إلى بيتكم البارحة خشية أن تسمع والدتك بما أقوله لك.

تسلل الخوف إلى قلب مايكل. - ما بها، لا تقل إنها ... أرجوك ما زالت صغيرة! - اهدأ، اهدأ قليلا، لا تلفت انتباه الحاضرين إلينا، سأخبرك بكل شيء. - كما تشاء، هدأت، هيا تفضل. - أتذكر الضابط النازي الذي أخبرتك بزيارته لي قبل مجيئك إلى مكتبي يوم أردت إخبارك بشيء ثم غيرت الكلام؟ - نعم أذكره جيدا، وأذكر كيف تلعثمت يومها. - في ذلك اليوم جاء هذا الضابط بأوامر يجب تنفيذها خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام، وهو جمع كل المرضى والمعاقين المسجلين لدي، وبالأخص مصابو الأمراض المعدية كالتيفوئيد والكوليرا. - وماذا بعد؟ ما الغاية من الجمع؟ - للتخلص منهم ضمن برنامج القتل الرحيم.

للوهلة الأولى بقي مايكل مصدوما لا يصدق ما سمع «للتخلص منهم»، هكذا بكل هذه البساطة! خارت قواه وارتجفت يداه، أعاد عليه السؤال: ماذا قلت؟ - اسمعني يا مايكل، أنا لم أكن لأخبرك إلا أنني واثق بأنك ستتفهم الأمر، هذا المرض معد ولا شفاء منه، ولو بقيت عندكم لانتقل إليكم جميعا، كانت ستموت في النهاية وتميتكم معها.

انهمرت الدموع من عيني مايكل دون إرادة، شعر وكأن مقبضا حديديا يعصر قلبه، لم يكن بمقدوره تخيل أن سارة ماتت! وبهذه السهولة والبشاعة. تذكر وجهها في تلك الليلة عندما كانت تهذي وتنادي بأسماء صديقاتها، تذكر ملامحها البريئة، العرق المتصبب على جبينها المتورد، يديها الباردتين وارتجافها بحضنه كورقة صفراء تكاد الريح تقطع وصلها بالغصن، وتهوي بها إلى مكان سحيق، ثم أجهش بالبكاء حتى صوت نحيبه لم يتغلب على أصوات رواد الحانة وهم في نعيمهم المزيف يتضاحكون ويتمايلون على أنغام الموسيقى. تحول بذهنه بياض الصالة إلى سواد قاتم، ووجوه روادها إلى وحوش ومصاصي دماء بملابس أنيقة، إنهم عبيد عصر الحداثة الزائف، عبيد لا يختلفون عن أجدادهم سوى بالمظهر المتصنع.

ضاق نفسه ولم يعد يحتمل البقاء أكثر، كان يريد أن يصرخ، يصرخ فقط، لا يوجد شيء آخر غير الصراخ ليعبر عما يشعر به تجاه كل هذا الظلم والوحشية التي يقبعون تحت ظلها.

بعدها انتصب واقفا وهم بالخروج، فأمسكه من يده السيد مارك وسحبه إليه وهو يطلق ابتسامة لمن انتبهوا إليهما وهمس بأذن مايكل: اهدأ واجلس، لا تزد علي ما أنا فيه.

حاول مايكل سحب يده معترضا، فعاد السيد مارك وسحبه بقوة. - قلت لك اجلس!

خارت قواه، فوضع رأسه على الطاولة وهو يبكي ويقول: كيف تسمحون لأنفسكم أن تكونوا أداة قتل لأبناء جلدتكم، كيف؟ أخبرني: هل أنتم يهود حقا؟! هكذا يفعل اليهودي بإخوته اليهود الضعفاء، هكذا يضعونهم بيد المجرمين؟ وأنا أقول لنفسي أين اختفى أولئك المرضى والمعاقون من الأزقة والطرقات، يا لإجرامكم وبشاعتكم! سيلعنكم التاريخ إلى الأبد أيها الخونة! - مايكل اسمعني جيدا، أنا لم أكن مضطرا لأخبرك هذا الكلام، ولو علمت النازية أني أخبرت أحدا من سكان الغيتو بهذا ستكون نهايتي في أحد معسكرات السخرة حيث الموت البطيء هناك، افهمني أرجوك، أنا بحاجة إلى من يسمعني سأنفجر من التفكير وملامة النفس، أنا مذ أصبحت في المجلس لم أنم وأنا صاح آتي كل ليلة هنا أشرب وأشرب حتى أثمل وأقع طريح الفراش بعد العودة إلى البيت لكيلا أفكر قبل النوم. - ولماذا لا تتركهم إن كنت تعاني مما تفعل هكذا؟! - لمن أترك الوظيفة؟ لضباط النازية؟! أتعلم لو قام أحد منهم بتنفيذ هذه الأوامر لتم قتل أضعاف العدد الذي أرسلته إليهم؟ نحن نضحي بالبعض لإنقاذ الكثيرين، نحن لا نقرر من يموت يا مايكل، نحن نقرر فقط من سيعيش.

অজানা পৃষ্ঠা