قالت: «لا أعلم طبعا، فماذا صنعت؟»
قال: «كتبت إليه مؤكدة له أنها رغم شدة حبها إياه، لا يسعها قط أن تكون سببا لوقوع الجفاء بينه وبين والدته، ولا سيما بعدما علمت منه بما عانيت في سبيل تربيته؛ ولذلك أحلته من جميع العهود والوعود التي ارتبطا بها، لتتيح له النزول عند رغبتك.»
فعجبت والدة سليم من ذلك الأمر وكادت ألا تصدقه، فقالت له: «أحق ما تقول يا حبيب؟»
فقال: «أقسم لك يا سيدتي أني لم أقل لك إلا الحق، فتصوري الآن كيف ضحت الفتاة بسعادة قلبها في سبيل إعادة المياه إلى مجاريها بينك وبين سليم، ثم قارني بين تضحيتها ونبلها وعزة نفسها، وبين تهافت السيدة وردة على تزويج ابنتها من سليم، رغم ما تزعمه من كثرة خطابها وأنهم جميعا من الوجهاء الأغنياء، ورغم علمها بأنه يحب فتاة أخرى غير ابنتها.»
فسكتت والدة سليم قليلا ريثما أدارت الأمر في ذهنها، وقرأ حبيب في وجهها أمارات التردد، ثم قالت له: «ألا يجوز أن تكون الفتاة قد كتبت إليه ذلك الخطاب إمعانا في المكر والخداع، لتبرهن له على شدة إخلاصها في محبته ورغبتها فيما يسعده ويرضيه؛ كي يزداد تعلقا وهياما بها؟ لقد سمعت أنها بارعة في الحيلة والدهاء!»
فقال: «ما هذا الذي تقولين يا سيدتي؟ إن المكر والدهاء والاحتيال وما إلى هذه الصفات لا يمكن إلصاقها بفتاة نقية طاهرة كهذه، ضحت بسعادتها ومستقبلها حتى لا تفرق بين حبيبها ووالدته. وإنما الأولى بهذه الصفات من تطلق لسانها بغير الحق وتنهش أعراض الناس بالباطل، لكي تحقق أطماعها الخاصة.»
فتنهدت وأطرقت قليلا، ثم رفعت رأسها ومسحت بمنديلها دمعة ترقرقت في عينيها، وقالت: «إنني حائرة يا ولدي، وقد زدتني حيرة بما سمعته منك الآن. والحق أني كنت قد يئست من إقناع سليم بترك الفتاة التي أحبها. وخاطبت السيدة وردة في ذلك حين جاءتني اليوم، فأشارت علي بإرسال خطاب آخر إلى سليم تدعوه فيه إلى الحضور إلى هنا في أقرب وقت، لعلنا نستطيع إقناعه بالحديث معه وجها لوجه. وقد انصرفت على أن تتولى كتابة هذا الخطاب وإرساله إلى سليم بالنيابة عني كعادتها، وأحسب أنها أتمت هذه المهمة عقب خروجها.»
فقال: «فلتكتب إليه ما شاءت، فهو لن يحضر الآن.»
فدهشت وسألته: «ولماذا لا يحضر؟»
قال: «لأنه لا يستطيع ذلك بسببك يا سيدتي.»
অজানা পৃষ্ঠা