فقالت: «لا أخفي عليك أنها كانت قد تفضلت ووعدتني بقبول سليم زوجا لابنتها، وأنت تعلم أن سليما ليس له إيراد إلا ما يأتيه من عمله في المحاماة، وهو ما زال مبتدئا فيها، فزواجه من إميلي ابنة السيدة وردة يجعله صاحب التصرف في ثروتهما الكبيرة فيريحه هذا من عناء الاهتمام بأمر المعيشة ويصبح من الوجهاء. وقد كنت معتزمة مخاطبته في هذا الأمر بعد أن تحققت محبة الفتاة ووالدتها له، ولكنه فاجأنا بأمر تعلقه بتلك الفتاة الأخرى التي وقع في حبائلها. وكتبت إليه محذرة منذرة لكي يقطع صلته بها مبينة له ما علمته عن سيرتها السيئة ودناءة أصلها، لكنه وا أسفاه! لم يستمع لنصحي وتحذيري، ونسي جهادي في سبيل تربيته وإخلاصي في السعي لإسعاده، وقد آليت على نفسي ألا أرضى عنه ما لم يرجع إلى رشده ويترك تلك الفتاة، ويقترن بإميلي التي لن يظفر بزوجة في مثل جمالها وعراقة أصلها وغناها، فضلا عن اتفاقي مع والدتها على ذلك ورفضها عشرات الخطاب الآخرين مراعاة لهذا الاتفاق.»
فقال حبيب: «أرجو أن تصغي جيدا لما سأقوله يا سيدتي، وأن تحكمي عقلك لا عاطفتك؛ فالأمر جد خطير كما سأبين لك.»
فدققت النظر إليه مندهشة، وقالت: «إني مصغية إليك يا ولدي، فقل ما تريد.»
قال: «إنك ارتبطت مع صديقتك السيدة وردة في شأن خطبة ابنتها لسليم دون أن يعلم بشيء من ذلك. وكما أنك تستنكفين ألا تتم هذه الخطبة، لا شك في أنه يستنكف ألا يفي بوعده للفتاة التي أحبها، ولا سيما أنه ارتبط بوعده لها وهو لا يعلم شيئا مما اتفقت عليه في شأن الفتاة الأخرى.»
فقالت: «لقد كتبت إليه بما علمته من أمر الفتاة التي وقع في شراكها، وكان عليه أن يستمع لمشورتي؛ لأني أمه ولا يمكن أن أشير عليه إلا بما فيه خيره وسعادته.»
قال: «لا أريد أن أقول إنك كتبت إليه بعد أن تمكن الحب من قلبه وصار من الصعب عليه أن يتخلص من ذلك الحب. ولكني أقول إن صديقتك السيدة وردة لم تكن خالية من الغرض حين أوغرت قلبك على الفتاة التي أحبها سليم، فمن مصلحتها طبعا ألا يستمر هذا الحب لكي يتم ما اتفقتما عليه من زواج سليم بابنتها.»
قالت: «إن إميلي جميلة مثقفة غنية وأمامها عشرات الخطاب كما ذكرت لك، وهم جميعا أغنى وأحسن مركزا من سليم. فلو أن صديقتي السيدة وردة كانت لا تبغي سوى مصلحتها ومصلحة ابنتها، لانتهزت الفرصة وزوجتها من أحد أولئك الخطاب الوجهاء الأغنياء، ولكنها في الواقع حرصت على مصلحة سليم، وتعبت كثيرا في سبيل إنقاذه من تورطه في حب فتاة القاهرة، وهي التي تولت إرسال الخطابات إليه باسمي في ذلك الشأن لأني لا أعرف الكتابة. وأسأل الله أن يجزيها عنا خير الجزاء فهي حقا مثال المروءة والوفاء.» •••
كانت الخادمة قد جاءت بالقهوة وقدمتها لحبيب، فشربها ثم قال لوالدة سليم: «اسمعي يا سيدتي، إني مثلك لا أريد إلا ما فيه الخير والسعادة لسليم، وما جئت من القاهرة اليوم إلا لأبحث معك هذا الأمر. وأنا أؤكد لك أن كل ما سمعته عن الفتاة التي أحبها في القاهرة وسوء سيرتها ووضاعة أصلها ليس له من الصحة أدنى نصيب، وإنما هو محض كذب وافتراء، فهي من أطهر الفتيات وأطيبهن عنصرا، ولم يحبها سليم إلا لما لمسه فيها من الخلال الحميدة. وسأطلعك الآن على سر وقعت عليه مصادفة دون علم سليم، وفيه ما يكفي دليلا على شرف تلك الفتاة وعزة نفسها ونبل أخلاقها.»
فقالت: «ما هو هذا السر؟»
قال: «إن سليما لم يطلعها على الخطابات التي أرسلتها إليه في شأنها، أو أرسلتها إليه السيدة وردة باسمك. ولكنها وقع في يدها اتفاقا أحد تلك الخطابات، فعلمت أنك غير راضية عنها، وأنك لن ترضي عنه إن استمر في علاقته بها، فهل تعلمين ماذا صنعت بعد ذلك؟»
অজানা পৃষ্ঠা