وبعد قليل، سمع وقع أقدام خارج الحجرة، ثم دخلت عليه والدة سليم وهي في ثوب بسيط ووجهها يفيض بالتقى والورع وإن بدا فيه شيء من الانقباض، وما كادت تراه حتى عرفته فترقرقت الدموع في عينيها، وهمت به مرحبة فضمته وقبلته قائلة: «أهلا وسهلا بولدنا العزيز حبيب.»
فقبل يدها وهو يغالب البكاء تأثرا بلطف استقبالها إياه ولما أدرك من أن سبب بكائها هو تذكر ولدها سليم، لكنه تجلد وتجاهل وسألها: «كيف حالك يا سيدتي، وكيف حال أخي فؤاد وبقية الأسرة؟»
فقالت: «كلهم بخير، والحمد لله على سلامتك.» ثم تنهدت وأردفت قائلة: «وكيف حال سليم، ولماذا لم يأت معك؟»
فارتبك حبيب قليلا ثم أجاب بقوله: «هو بخير والحمد لله ولا ينقصه غير مشاهدتك. وقد جئت إلى الإسكندرية فجأة قبل أن أقابله، ولولا ذلك لجاء معي.»
فتنهدت مرة أخرى وأطرقت ولم تجب.
وأدرك حبيب سر إطراقها وسكوتها فازداد ارتباكه، ولم ينقذ الموقف إلا دخول السيدة التي فتحت له الباب، وقد وضعت قبعتها على رأسها متهيئة للخروج، وقالت لأم سليم: «اسمحي لي أن أنصرف الآن؛ إذ لا بد لي من ذلك، وسأتمم الأمر الذي اتفقنا عليه نيابة عنك، فكوني مطمئنة.»
فقالت والدة سليم: «بورك فيك يا عزيزتي ولا حرمنا الله من فضلك.» ثم نهضت وودعتها حتى الباب الخارجي، وعادت بعد ذلك إلى حبيب، وأخذت تكرر تحيته والترحيب به إلى أن قالت: «لعلك قادم من السفر الآن فقط؟» فقال : «نعم، وقد جئت من المحطة إليكم رأسا.»
فسكتت وأطرقت مفكرة، كأنها تحاذر أن تقول شيئا. ثم رفعت رأسها فإذا بالدموع تنهمر من عينيها، وقالت: «وماذا صنع سليم مع فتاته وأهلها؟»
فتجاهل وقال: «أية فتاة يا سيدتي؟»
فقالت: «الفتاة التي أحبها وكتب إلي بأن أوافيه في القاهرة لإتمام خطبتها.»
অজানা পৃষ্ঠা