118

وسأل ويل: وما هو النقد الذي تستعملونه؟

أدخل الدكتور روبرت يده في جيب سرواله وأخرج ملء راحته من الفضة والذهب والنحاس.

وأخذ يشرح قائلا: بالا تنتج الذهب بطريقة متواضعة؛ نستخرج من المناجم قدرا يكفي لضمان العملة الورقية بالمعادن الثابتة، والذهب يكمل صادراتنا. نستطيع أن ندفع نقدا فوريا نظير المعدات المكلفة كأسلاك الإرسال والمولدات الكهربائية التي شهدتها في الطرف الآخر. - يبدو أنكم قد وجدتم حلا ناجحا لمشكلاتكم الاقتصادية. - لم يكن حل هذه المشكلات بالأمر العسير. فنحن أولا لم نسمح لأنفسنا بأن ننجب أطفالا أكثر مما نستطيع أن نطعم ونكسو ونأوي ونربي في سبيل الإنسانية الكاملة. ولما لم تكن لدينا زيادة في السكان كانت لدينا وفرة. وعلى الرغم من هذه الوفرة استطعنا أن نقاوم الإغراء الذي انساق له أهل الغرب؛ أعني الإغراء بالاستهلاك الزائد. لا يصاب أحدنا بالجلطة في الشريان التاجي لأنه يتعاطى من المواد الدهنية ستة أمثال ما يحتاج. ولا نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأن اقتناء جهازين من أجهزة التليفزيون يضاعف من سعادتنا باقتناء جهاز واحد. وأخيرا نحن لا ننفق ربع مجموع الإنتاج الوطني في الاستعداد لحرب عالمية ثالثة أو حتى لحرب صغرى تتولد عن الحرب العالمية، تكون الحرب المحلية رقم 3333. التسليح والقروض العالمية والتخطيط لإهمال القديم في سبيل الجديد؛ هذه هي الأعمدة الثلاثة التي تستند إليها الرفاهية في الغرب. لو أنكم ألغيتم الحروب والتبذير وإقراض المال انهارت مجتمعاتكم. وبينما أنتم تسرفون في الاستهلاك يزداد بقية العالم استغراقا في النكبات المزمنة: الجهل، والروح العسكرية وزيادة النسل؛ هذه النكبات الثلاث وأخطرها زيادة النسل. ولا أمل ولا بارقة لإمكان حل المشكلة الاقتصادية حتى يكون ذلك محلا للتحكم. كلما زاد عدد السكان هبط مستوى الرفاهية. وبإصبع ممتدة أشار إلى المنحنى الهابط، ثم قال: وإذا هبط مستوى الرفاهية ساد السخط وعم العصيان (وارتفعت سبابته مرة أخرى وعاد يقول): ويسود الاستهتار السياسي، وحكم الحزب الواحد، والتعصب القومي والميل إلى القتال. وإذا استمرت الحال كذلك عشر سنوات أو خمس عشرة سنة أخرى من الإنسال بغير حظر انتشر في العالم كله - من الصين إلى بيرو عبر أفريقيا والشرق الأوسط - ظهور الزعماء الذين يكرسون كل جهودهم لكبت الحرية، يسلحون بلادهم إلى الأذقان من روسيا أو أمريكا - وهو الأفضل - منهما معا، يلوحون بالأعلام ويطالبون «بالمجال الحيوي».

وسأل ويل: وما هو الموقف في بالا؟ هل ترحبون بظهور زعيم قائد بعد عشر سنوات من الآن؟

أجاب الدكتور روبرت: لن يكون ذلك باختيارنا. لقد كنا دائما نبذل الجهد الممكن كله لكي نحول دون ظهور الزعيم القائد.

ولاحظ ويل بطرف عينه أن موروجان يبدي استنكاره واشمئزازه وسخطه؛ فقد كان أنطونيوس (يقصد موروجان) يرى نفسه بالتأكيد بطلا من أبطال كارلايل. والتفت ويل إلى الدكتور روبرت.

وقال له: خبرني كيف استطعتم ذلك؟

أولا نحن لا نخوض حروبا ولا نستعد لها؛ ومن ثم فليست بنا حاجة إلى نظام التجنيد الإجباري، أو الرتب العسكرية أو القيادة الموحدة. وعندنا إلى جانب ذلك نظامنا الاقتصادي الذي لا يسمح لأحد أن يثري أكثر من أربعة أو خمسة أضعاف المتوسط. ويعني ذلك أنه لا يظهر بيننا قادة في مجال الصناعة أو ممولون ذوو قدرات لا تحد. وأفضل من ذلك ليس لدينا ساسة أو بيروقراطيون ذوو قدرات لا تحد. بالا اتحاد من وحدات تحكم كل منها نفسها بنفسها؛ وحدات جغرافية، ووحدات مهنية، ووحدات اقتصادية؛ ومن ثم فالمجال متسع فسيح للمبادرات على نطاق ضيق، وللقادة الديمقراطيين، ولا يتسع المجال لأي نوع من أنواع الدكتاتورية التي تقوم على رأس حكومة مركزية. وثمة نقطة أخرى: ليست لدينا كنيسة معتمدة، وديانتنا تؤكد التجربة المباشرة وتستنكر الاعتقاد في مبادئ لا يمكن إثباتها والمشاعر التي يثيرها هذا الاعتقاد؛ ولذلك فنحن في أمان من أخطاء البابوية من ناحية، ومن التعصب الديني الرجعي من ناحية أخرى. ومع التجربة التي تجاوز الواقع ندعو بانتظام إلى التشكك. نحث الأطفال على ألا يأخذوا الألفاظ مأخذ الجد، ونعلمهم أن يحللوا كل ما يسمعون أو يقرءون؛ ويشكل ذلك جزءا لا يتجزأ من منهج الدراسة. والنتيجة أن مثيري الغوغاء من أمثال هتلر أو جارنا على الجانب الآخر من المضيق لا يجدون فرصة لهم هنا في بالا ولم يطق موروجان كل هذا ولم يستطع أن يضبط نفسه فانفجر قائلا: ولكن انظر إلى الطاقة التي يولدها الكولونيل ديبا في شعبه. انظر إلى إخلاصه وإلى تضحيته بنفسه. ليس عندنا هنا في بالا ما يشبه ذلك.

قال الدكتور روبرت: والحمد لله على ذلك.

وردد فيجايا قوله: الحمد لله.

অজানা পৃষ্ঠা