صبره ومروءته وأما الصبر والمروءة فهما غريزتاه المنسوبتان في زمنه إليه، فالصبر كما قال أمير المؤمنين -سلام الله عليه-:"الصبر صبران صبر على ما تكره، وصبر عما تحب" أو كما قال، وهو -عليه السلام- فيهما ممن يضرب به المثل، فإنه يقطع ليله ونهاره في نصرة الدين والقيام بحقوق المسلمين حتى أن ما له وقتا للنوم والطعام، إنما يتناول من ذلك ما لا يجد بدا منه في أي وقت، ولقد كان يأكل الطعام من غير إدام مع من حضره ويجتزي [9/ب] به. وكذا النوم إذا غلبه في المجلس العام والخاص ويقول القائل: نام أم لا، وقد قام لأعماله وقضى الحوائج على أنواعها وسيأتي إن شاء الله تعالى أوسع من ذلك.
وأما الصبر على فراق الأحبة فمما ظهر وانتشر فأعظم حادثة في الإسلام وفاة والده -رضوان الله عليهما(1)- في تلك الشدة التي تقدم ذكرها، وكثرة الأعداء وقربهم منه مع ضعف المواد والبلاد وكثرة أهل الإستمداد، ثم وفاة أولاده، ثم صنوه ملك الإسلام الحسن، ثم مولانا الحسين، فإنه في هذه كلها لا يتحرك عن مجلسه حتى يقضي أعماله على عادتها، ويتجلد على عظم الموقع ويشدد من عزاه ويؤنسه ويكابد مع ذلك المشقة وسيأتي إن شاء الله مفرقا أوسع من ذلك.
وأما المروءة ومكارم الأخلاق فأظهر وأشهر من ذلك بتقديم حاجة أهل النفقات على كل منهم من القليل إلى الكثير، وقد مر بعض ما له في ذلك من الأخبار، ولقد يشتري السمن بالألف الحرف ويفرقه، ولقد يسأل المهدي الدقيق أو المعتني فيه ولو من الزكاة فيعطي من حمله مكافأة كثيرا، ثم يأمر للمرأة التي عنت فيه بالكسوة، وهذا باب واسع -سلام الله عليه ورضوانه-.
পৃষ্ঠা ২২