نشأة المذهب الحنبلى:
الحديث عن الِإمام أحمد بن حنبل يعودُ بنا إلى تذكرة الأجيال الماضية، إلى تاريخِ طويلٍ مضى بمُعطياته السَّلبية والِإيجابية لا نستطيع استعراضه بمثل هذه العُجالة.
ولعلَّ سببَ شهرةِ الِإمامِ أحمدَ ترجعُ إلى زُهده وورعه ودينه وخُلقه وثباته على الحق ودفاعه عنه وحرصِه على طلب العلم فقد كان آية فى حفظِ أحاديث النَّبى ﷺ، قالَ أبو زرعة الرَّازِى (١): "حَزَرْنَا حفظ أحمد بن حنبل بالمذاكرة على سبعمائة ألف حديث"، وفى لفظ آخر قال أبو زرعة الرازى: "كان أحمد يحفظ ألف ألف، فقيل له ما يدريك؟ قال: ذاكزله فأخذت عليه الأبواب".
وقال الشافعى لِإمامنا أحمد يومًا (٢): "أنتم أعلم بالحديث والرِّجال فإذَا كان الحديثُ الصَّحيحُ فأعلمونى إن شاء أن يكون كوفيًا أو شاءَ شاميًا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا".
وقد امتُحن المسلمون فى زمنه بفتنة القول بخلق القرآن فثبتَ الِإمام أحمد على الحقّ فأوذى فى ذلك فصبر، وفرح بذلك أعداؤهُ فاستعدوا عليه السلطان فسُجن ثم جُلد فى مشهدٍ من النّاس، ولثباته - فى الحق - على هذه الأحداث الجسام. قال علىّ ابنُ المدينى (٣): "أَيَّد الله هذا الدّين برجلين لا ثالثَ لهما أبو بكرِ الصديق يومَ الرِّدة، وأحمدُ بن حَنبل يومَ المِحْنَةَ".
_________
(١) طبقات الحنابلة: ١/ ٦.
(٢) طبقات الحنابلة: ١/ ٦.
(٣) طبقات الحنابلة: ١/ ١٣.
مقدمة / 38