قال المتأمل: وهذا قول قد يسوغ في النفس من حيث انضمام جوهر إلى جوهر يحدث به الطول فقط. ثم إن انضم إليهما جوهر ثالث في أحد جهاتهما المحيطة بمها سوى جهتي الطول فلن يخلو من زيادة عرض حادث فيه آخر غير الطول إما عرض وإما عمق، ولا عمق إلا بعد طول وعرض على ما بينا بالباب المنقضي لحصوله في جهتي الطول، فإن للطول جهتين وهما خلف وأمام، وللعرض جهتين وهما يمين وشمال، للعمق جهتين أعلى وأسفل. فلما استحال حصول عمق فيل رتبة العرض ولم تحصل في جهتي الطول فتكون زيادة في الطول في الطول، لم يبق إلا العرض، فإذا صح كون سطح من ثلاثة جواهر صح وجود جسم من سنة جواهر، غير أن [33] هذا القول إن استقام لهذا العلة وهى وجوب حصول عرض حادث غذ محال أن عمقا لتقدم رتبة العرض على العمق أو يكون طولا لحصول في غير جهتي الطول لزم أن يكون بانضمام جوهر رابع إلى الثلاثة من جهة أعلى أسفل يتجسم، إذ ليس هو في أحد جهتي الطول فتكون زيادة في الطول، ولا في إحدى جهتي العرض فتكون زيادة في العرض، ولم يبق بد من حدوث عرض مستفاد بانضمامه إلى الثلاثة ولم يبق إلا العمق. فمتى صح بذلك العمق حصل الجسم من أربعة والله أعلم.
القول الثاني: وقال معمر (1) الجسم ثمانية أجزاء إذا اجتمعت فبلت الأعراض، لأن الجسم لن ينفك من أن يكون طويلا عريضا عميقا، بد من يمنة ويسرة وأعلى وأسفل، فإذا كانت أربعة أجزاء لم يكن لها عمق حتى تطبق على أربعة أجزاء فيصير طويلا عريضا عميقا وأنه لا يتجزأ.
قال المتأمل: وهذا على ما بيناه في الباب السالف.
القول الثالث: وقال النظام (2) وهشام ومن نفى الجزء، أجسم طويل عريض عميق وأنه لا يتجزأ.
قال المتأمل: قول أصحاب هذين القولين أنه لا يتجزأ، أحسبهم إنما أرادوا نفى تجزئة الجسمية لا الجواهر على ما كنا بينا من أن الإنسان لا يتجزأ من جهة الإنسانية، بل من جهة الجوهرية، والله أعلم.
পৃষ্ঠা ৪৫