بيان ذلك: إنا لو اعتبرتا بعين العقل حبة خردل هل هي أجزاء متآلفة أم لا، لاضطررنا إلى القطع بالشهادة أنها أجزاء متآلفة وأن لأجزائها وتآلف أجزائها حدا وغاية ونهاية [25] فإذا تحققنا أن لأجزائها نهاية، استحال في عقولنا أن تكون أجزائها عند الله أكثر مما هي عليه عنده، واستحال أقسام أقل جزء من أجزائها، فأين المحيد من الإقرار باستحالة السؤال عن القدرة على تجزئة ما تجزئته محال مع ما سنبيته من معاني القدرة إن شاء الله، غذ لو أمكن ذلك في أقل جزء منها لكانت هذه هي الزندقة بعينها ، إذ يذهبون إلى أن هذه الدينا وما فيها من الأشياء لا نهاية له ولا آخر على ما سمعت. ولا ملجأ لمن اعتصم بهذا المذهب إن دارت به قواطع الأدلة إلا التعلق بمذهب الفرقة المعروقة باللاأدرية من النافين لحقائق الأشياء، فليس جواب أحدهم على ما سمعت في كل ما يسأل عنه إلا، لا أدرى. فإن قيل لهم أنكم لا تدرون؟ قالوا: لا ندرى. وإن قيل لهم: أفتعلمون أنكم لا كلاب ولا خنازير؟ قالوا: لا ندرى. فلا يحتج هؤلاء في نص مقالتهم بحجة، ولا يعتلون بعلة اكثر مما حكى عنهم.
فإن حبة الخردل مثلا لو علم القادر سبحانه وجل أن أجزاءها لو فرقها على الغاية لكان جميع ما فيها مائة جزء لما أمكن أن يكون فيها أكثر من ذلك فلو دخل الإمكان على أجزائها أن تكون أكثر من مائة جزء لدخل ذلك على تجهيل الباري سبحانه حيث علم أن ليس فيها إلا مائة جزء، وقد يمكن أن يكون أكثر، ودخل التعجيز على القدير من حيث أنه لو قدر على تجزئتها حتى يفرد أقل كل جزء منها عن الأجزاء لما تجزأ شيء منها، إذ كل جزء كان يتجزأ فليس بأقل جزء فيها، فلا بد هاهنا من أحد ثلاثة أحوال:
الأول: إبطال النهاية فيها.
الثاني: القول في إن تجزئتها ذهاب عينها وذلك نفى الأعراض على ما بينا.
পৃষ্ঠা ৩৫